وما زلنا في طريقنا ذلك نتجول على تلك المنازل، ونتحول في تلك الخمائل، ونضرب في الأرض كالعقبان الكواسر والليوث الخوادر، إلى أن وصلنا إلى مدينة) الجزائر (فدخلناها في يوم الأحد الثاني لذي قعدة من العام المذكور فأصلحنا بها الأحوال وجددنا منها الترحال، وخرجنا ضحوة يوم السبت الثامن لذي قعدة المذكور وسرنا بعزم غير مرتاب وسير يطوي البيد طي السجل للكتاب، إلى أن وصلنا إلى مدينة) تلمسان (وقد انجلى ظلامها وأزيل عن يد الباطل زمامها، وعوفيت من اختلالها، وشفيت من اعتلالها وأشرق منها الجو وأنار، ولاح للعدل بها علم ونار، فدخلناها يوم الأربعاء التاسع عشر لذي قعدة من العام المذكور، وخرجنا منها عشية يوم الجمعة الحادي والعشرين لذي قعدة المذكور فنزلنا تلك الليلة على بعض قراها. واستعملنا ما كنا استصحبنا من قراها ثم قمنا للرحيل وأدلجنا وما عجنا على غير المسير ولا عرجنا، إلى أن وصلنا) هنين (والشمس مستوفية اللالاء، مرتقية درجة العلياء، لا إلى هؤلاء إلى هؤلاء في يوم السبت الثاني والعشرين لذي قعدة المذكور فوافقت قرقورة كانت هناك قد كملت وسقا، وخفقت بنودها للسفر خفقا، وقلدت القرية وعملت على المرية فاستخرت الله تعالى في ركوبها، ودعوته في تيسير مرامها ومطلوبها، وخرجت من هنين راكبا فيها يوم الأربعاء السادس والعشرين لذي القعدة المذكور وحين فرغت من الأرض وصحوت من سراها وممساها قربت إلى الفلك باسم الله مجراها ومرساها، وما زلت بين قوادمها وخوافيها إلا حظ المنايا حينا وحينا أكاد أوافيها قد تبدلت من ظل علا ومفاخر، بقفر طامي اللجج زاخر وعوضت من صهوات الخيل، بصهوات اللجج والليل حتى آليت ألا ودع الريح تحية، ولا يورثني هبوبها أريحية، فهي التي أثارت من الموج حنقا، ومشت عليه خببا وعنقا، حتى أعادته كالكثبان وأصارت المركب فوقه يتلاعب كقضيب الآن وأخرجته عن طريقه وأزالت كل واحد منا عن مركزه وفريقه. ورقت غصصه وأغصته بريقه، حتى لكاد يغوص في اللجاج ويخوض عليها بحر عجاج إلى أن حط بي في مرسى) مجاقر (الشراع والسفين، وآويت من جزيرة الأندلس الكريمة إلى الكهف المنيع والمكان المكين. واستقبلت مواطن ظلال السيوف فقلت ادخلوها بسلام آمنين) وقد جاء (عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار في فضل الأندلس وفضل الجهاد فيها والرباط في ثغورها، وعلى سواحل بحورها، في فضل العابرين في البحر برسم الرباط فيها والجهاد وتكثير السواد، فمن ذلك ما حكاه ابن حبيب قال: روى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم سينقطع الجهاد والرباط من المشرق والمغرب إلا جزيرة بالمغرب يقال لها الأندلس الذي يرابط بها على ساحل بحرها من وراء عورة المسلمين أفضل من شهيد يتشحط في دمه وحدث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعظم رباط خلقه الله على جديد الأرض جزيرة بالمغرب الأقصى شرقيها عدو وغربيها عدو وجوفيها عدو وقبليها عدو وهي جزيرة يقال لها الأندلس، وروى عنه أيضا أنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من المسجد فأشار بيده تلقاء المغرب مسلما، فقيل له على من تسلم يا رسول الله قال على أناس من أمتي يكونون في هذا المغرب بجزيرة يقال لها الأندلس إليها آخر ما ينتشر هذا الدين رباط يوم فيها أفضل من رباط عامين في ثغور غيرها حيها مرابط وميتها شهيد، تحشرهم السحاب يوم القيامة من وراء هذا البحر الكافر على ظهورها فتمطرهم على أرض المحشر كما تمطر السحاب الماء وهم ممن استثنى الله تعالى في كتابه: [فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا أن شاء الله] قيل يا رسول الله بم نال أهل الأندلس هذه الفضيلة، قال بجهادهم ورباطهم فيها وبأخذهم مذهب أهل المدينة خير أمتي في المحيا والممات وأني سألت الله ألا يبتليهم ببدعة حتى يلقونين وقال صلى الله عليه وسلم، طوبى لمن أدرك زمانا يدخل الإسلام الأندلس ويرابطون في ثغورها في آخر الزمان فهم بمنزلة المرابطين من أهل بدر من المهاجرين والأنصار ثم قال من رابط في ذلك الزمان ساعة واحدة كتب له من الثواب عدد كل نفس في الدنيا، وروى عن شهر بن حوشب أنه قال ما من بقعة من الأندلس إلا ولها ثواب لا يدركه إلا العاملون يبعث الله تبارك وتعالى أهل الأندلس يوم القيامة على حدة لا يخالطهم أحد، قد جللهم النور