والبهاء وهم رؤساء المجاهدين، وقال أبو جعفر الطبري: قال كعب الأحبار يعبر البحر إلى الأندلس قوم يعرفون بنور وجوههم يوم القيامة وقال وهب بن منبه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ستفتح بعدي جزيرة يقال لها الأندلس يأتي الصغير منهم والكبير يوم القيامة يمطرهم على بيت المقدس كما تمطر السحاب الماء وهذه الأخبار إن صحت فيها ونعمت وإلا فالقاعدة تقتضي صحة المعنى فيها إذا الأصل في الأجر والثواب في ذلك أن يكون على قدر تعب النفس وتعنيها، وفضل الأندلس مبين ومكانها من القلوب مكين ولقد أنصفها حين وصفها أبو عمارة البصري بقوله:
لله أندلس وما قد جمعت ... من كل ما جمعت له الأهواء
فكأنما تلك الديار كواكب ... وكأنما تلك البقاع سماء
وبكل قطر جدول في جنة ... ولعت بها الأفياء والأنواء
ثم رحلنا من ذلك المرسى وتبدلنا من تلك الوحشة أنسا، وأهل تلك الأقطار، يطيرون إلينا كل مطار، في تلك الأودية والأنهار، بين سار بالليل وسار بالنهار:
يا ساري الليل هل من رامة خبر ... فأنني لسواه ليس أنتظر
بالله ربك خبرني فها كبدي ... تكاد من ذكرهم بالوجد تنفطر
أحباب قلبي وجيرني وأهل مني ... روحي إذا طربت والسمع والبصر
أعندكم أنني من بعد فرقتكم ... لا أستلذ بما يهوى له النظر
ترى أراكم على بانات كاظمة ... والعذل قد غاب والأحباب قد حضروا
ويجمع الله شملا طالما لعبت ... به الليالي ولم يسعف له القدر
فدخلت مجاقر المذكور في يوم الأحد الموفى ثلاثين لذي القعدة المذكور:
كل المنازل والبلاد عزيزة ... عندي ولا كمنازلي وبلادي
فأنخنا بها من عطن، وقد أشرفنا بحمد الله على ثنايا الوطن:
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار
وبتنا بها نعالج آلام الأشواق، ونطارد ذوات الأطواق، ولما طرب طائر السحر وأذهب الصبح ما بصدر الساهر من الوحر، فوقت سهم العزم وأطرت عن زنده شرار الحزم، وأدخلت على معتل التواني حرف الجزم، وخرجت منها في صبيحة يوم الاثنين أول يوم من ذي الحجة من عام أربعين المذكور، وسرنا في ظل ظليل وزهر بليل وهواء صحيح ونسيم عليل:
وحدائق ينسيك وشى برودها ... حتى تشبهها سبائك عبقر
يجري النسيم خلالها وكأنها ... غمست فضول ردائه بالعنبر
في ضفتي نهر وادي المنشور الملتوي كالأيم الذاهب منظره بالسئام والأين، من نهر يدوخه هبوب النسيم ويتراءى الشقائق كأنه العذار في وجه الوسيم، ونحن نخف في سبيل دلالته، ونلتحف بظل جلالته ونغازل تلك الأغصان، ونعتد من أوراقها بخرصان وننظر ذلك النهر السلسال، فنذكر دمع المهجور إذا سال:
أحن إلى الوادي ومن فيه نازل ... ومن أجل من فيها تحب المنازل
وأشتاق لمع البرق من نحو أرضكم ... ففي البرق من تلك الثغور رسائل
يرنحني مر النسيم لأنه ... بأعطاف ذاك الزند والبان مائل
وإن مال بان الدوح ملت صبابة ... فبين غصون البان منكم شمائل
ولي أرب أن ينزل الركب بالحما ... ليسأل دمعي وهو للركب سائل
بي أنه لا تنقضي أو أراكم ... ويصبح نجد وهو بالحي آهل
وما برحنا تلتحف من ظل أيكه أبردا، وكأنما دخلنا منه صرحا ممردا، وأوطأنا المطى من أديمه زردا، والناس قد ثاروا إلى، وأطالوا التسليم على، وتفاوض في ذلك سرهم ونجواهم، فما زالت تلك دعواهم حتى دخلت بلدي) قتورية (حرسها الله تعالى:
هي الدار لا أصحوبها عن علاقة ... لأمر لنا بين الجوانح مضمر