وَالصَّارِمُ يَنْبُو، وَالفَتى قَدْ يَصْبو. وَلَا يَخْفَى عَلَيكَ أنَّ التَّعَقُّبَ عَلَى الكُتُبِ الطَّوِيْلَةِ سهلٌ بِالنسْبَةِ لتَألِيفها، وَوَضعِهَا وَتَرْصِيْفهَا، كمَا يُشَاهَدُ في الأبنيَة القَدِيْمَة، والهَيَاكِلِ العَظِيْمَة، حَيْثُ يَعْتَرِضُ عَلَى بَانِيهَا مَنْ عَرَى فَنَّهُ القوى والقُدر، بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَضْع حَجرٍ عَلَى حَجَرٍ! فَهَذَا جَوَابِى، عَمَّا وَرَدَ في كِتَابى، فَلربما كَاْنَ اعْتِراضُكَ بَعْدَ هَذا البَيَانِ مِنْ تجاهُلِ العَارِفِ، وَإلا فَلَا يَخْفَاكَ أنَّ الزُّيُوْفَ تَدْخُلُ عَلَى أعلَى الصَيَارِفِ، أمَا إنْكَارُ المُشَارِ إلَيْه أن يَكُوْنَ عِنْدَ المُتَأخِّرِ مَا لَيْسَ عِنْدَ المُتَقَدم، فَتِلْكَ شِنْشِنَةٌ نَعْرِفُهَا مِنْ أخْزَم!!، وَكَما يَقُوْلُ ابْنُ قُتَيْبَةَ -رَحِمَه الله-: "قَدْ يَتَعَثَّر في الرأىِ جِلَّةُ أهْلِ النَّظَر، وَالعُلَمَاءُ المُبَرَّزُوْنَ، "الخَائِفُوْنَ لِلهِ الخَاشِعُوْنَ. وَلَا نَعْلَمُ أن اللْهَ تعَالى أعطَى أحدًا مَوْثِقًا مِنَ الغلَطِ وَأمانا مِنَ الخَطَأِ، فَنَسْتَنْكِف لَهُ مِنْهُ، بَلْ وَصَلَ عِبَادَهُ بالعَجْزِ، وَقَرنَهُم بِالحَاجَةِ، وَوَصَفَهُم بِالضعْفِ، وَلَا نَعلَمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى خَصَّ بالِعلمِ قَوْمًا دونَ قوْم، وَلَا وَقَفَهُ عَلَى زَمَن دونَ زَمَن بَلْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا مَقْسُوْمًا بَيْنَ عِبادِهِ، يَفْتَحُ للآخِرِ مِنْهُ مَا أغلَقَهُ عَنِ الأوَلِ، وَيُنَبِّهُ المُقِلَّ مِنْهُ عَلَى مَا أغفَلَ عنْهُ المُكْثِرُ، وَيُحْيِيهِ بِمُتَأخِّر يَتَعَقَّبُ قَوْلَ مُتَقَدِّم، وَتَالٍ يَعْتَرِض عَلَى مَاضٍ، وَأوجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنَ الحَقِّ أن يُظْهِرَهُ وَيَنشُرَهُ، وَجَعَلَ ذَلِك زَكَاةَ العِلْمِ، كَمَا جَعَلَ الصدَقَةَ زَكَاةَ المَالِ". اهـ.
وَصَدَق أبوُ العَباسِ المُبَرِّدُ إذ قَال في "الكامِلِ"، وَهُوَ القَائِلُ المُحِقُّ: لَيْس لِقِدَمِ العَهْدِ يُفَضَّلُ القَائِل، وَلَا لِحِدثَانِهِ يُهْتَضَمُ المُصِيْبُ، وَلكن يُعْطى كلٌّ ما يَسْتَحِقُّ. اهـ.
وما أحسن ما قالَهُ الزمخشري في مُقدِّمة "المستقصى في أمْثَال العَرَب": "وَكأنِّي بِالعَالِمِ المُنْصِفِ قدِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَارتَضَاهُ، وَأجَالَ فِيْهِ