العلمي حَتَّى لا نُرمَى بسوْءِ القَصْدِ، أوْ بِشَهْوَةِ النقْدِ. وَأنَا عِندَمَا نَبَّهْتُ عَلَى أشْيَاءَ رَكِبَ فيْهَا بَعْضُ المُتَقَدّمِيْنَ أو المُتَأخِّرِيْنَ خِلَافَ الصَّوابِ، وَتجلَّد بَعْضُهم فيها، حَتَّى ضَاقَ عَطنُهُ عَنْ تَحْرِيْرِ الجَوَابِ، مَا كُنْتُ بطاعن في أحدٍ منهم، وَلَا قَاصِدٍ بِذَلِكَ تَنْدِيْدًا لَهُ، وَإزْرَاءً عَلَيْهِ، وَغَضًّا مِنه، بل استْيضاحًا لِلصوابِ، وَاسْتِربَاحًا للثوابِ، مَعَ وَافِرِ التَّوْقِير لَهُمْ والإِجْلَالِ، إذْ "مَا نَحْنُ فِيمَنْ مَضَى إلا كَبَقْل في أصُوْل نَخْلٍ طُوَالٍ" (?) وَأنا مَع وَضْعى هَذَا الكتابَ، مَا أبَرئ نَفْسى وَلا كتابِى من الخَطأِ الذي لا يكادُ يَخْلو منه تَصنيفٌ، ولا يخلُصُ من تَوَغُّلِهِ تأليف، وَأنَا أعوذُ بِاللهِ -بارىءِ النَّسَم-، مِنْ كُلِّ مَا طَغَى فيه القَلَمُ، وَجَرَى مِنِّى عَلَى الوَهَم وَأعوذُ بِهِ من كُل متكلف يتتبَّعُ فيه على العَثَرَاتِ، وَيُحْصِى مَا وَقَع فِيْه من الفَلَتَاتِ، وَجُلُّ هَمه إظهارُ الغَلَطَاتِ، وطيُّ الحَسَناتِ، مَعَ أنَّهُ لَوْ أرادَ إِنْسَانٌ أنْ لَا يُخْطِىء في شىءٍ مِنَ الْعِلْمِ لَمَا حَصُلَ لَهُ مُرَادُهُ مَهْمَا فَعَلَ وَهَيْهَات، فَلَيْس إلى العِصْمَةِ مِنَ الْخَطَأِ سَبِيلٌ، إلَّا بتفضُّلٍ رَبِّ الأرْضِ وَالسمَواتِ. بَلْ إِنى أعْتَرِفُ فيه بكمالِ القُصُوْرِ، وَأسْأل اللَهَ الصَّفْحَ عَما جَرَى به القلمُ بهذه السُطوْرِ، وأقولُ لِلنَّاظِرِ فِىٍ كِتَابى هَذَا: لَا تأخُذَنَ في نَفْسِك عَلى شَيْئًا وجَدْتَهُ فِيْهِ مُغَايرًا لِفَهْمِكَ، فَإن الفُهُومَ قَدْ تَخْتَلِفُ، ولقلما تتفِقُ العقول كلها وَتأتَلِفُ، وَلولَا اخْتِلَافُ الأنْظَارِ لَبَارَتِ السَّلَعُ، وهُدَمَتْ صَوَامِعُ وَبِيِع، فَإِنْ رُمْتَ الوُقوْفَ على زَلَّةٍ لِي في مِثْل هَذَا العَمَلِ الَّذِي هُوَ كَاْلبَحْرِ العَيْلَمِ، فَلَا شَكَّ أنَّكَ وَاجِدٌ، وَلَيس هَذَا مِمَّا يُستَحْيَا مِنْهُ، بَل هُوَ مِنَ المَحَامِدِ، وَالسَّعِيْدُ مَنْ عُدَّتْ غَلَطَاتُهُ، وَحُسِبَتْ سقَطَاتُهُ، وَأحْصُوا عَلَيْهِ هَنَاتِهِ لِأنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى نُدْرَتِهَا بِجَنْبِ حَسَنَاته وَالْجَوَادُ يَكبُو، وَالنَّارُ -بَعْد أوَارِهَا- تَخْبُو،