نَظْرَةَ ذِى علقٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلى حُدُوْثِ عَهْدِهِ وقُرْبِ ميلادِهِ؛ لأنهُ إنَّمَا يَسْتَجِيْدُ الشَّىءَ وَيَسْتَرْذِلُهُ لِجَوْدَتِهِ وَرَداءَتِهِ في ذَاتِهِ، لَا لقدَمِهِ وَحُدُوْثِهِ وَبِالجَاهِلَ المَشطِ قَدْ سَمِع بِهِ، فَسَارَعَ إلى تَمْزِيقِ فَرْوَتِهِ، وَتَوْجِيْهِ المُعَابِ إليْهِ، وَلَمَّا يَعْرِف نَبْعَهُ من غَرَبهِ، وَلا صَقرهُ من خَرَبه، ولا عَجَمَ عُوْدَهُ، وَلَا نَفَضَ تَهَائِمَهُ ونُجُودهُ، والذِى غَرَّه مِنْهُ أنهُ عَمَلٌ مُحْدَثٌ لَا عَمَلٌ قَدِيْمٌ، وَحَسِبَ أنَّ الأشيَاء تُنْقدُ أو تُبَهْرَجُ لأنَّها تَلِيدَةٌ أوْ طَارِفَةٌ.
وَلِلَّه دَرُّ مَنْ يَقُوْلُ:
إذَا رَصِيَتْ عَنِّي كِرَامُ عَشِيرَتِى ... فَلَا زَال غَضْبَانًا عَلَى لِئَامُها".
* قُلْتُ: وَتَعْقِيبِى يَكُوْنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أ - إما أنْ أكُونَ مُصيبًا في قَوْلِى، فَمَا المَانِعُ أن يُقْبَلَ الصوَابُ مِنى؟.
ب- وَإمَّا أنْ أكونَ مخْطِئًا، فَعَلى المُعْتَرِضِ أن يُبيِّن ذَلِكَ بالدَّليْلِ، فَليْسَ قَوِيْمًا، وَلَا في مِيْزَانِ العَدْلِ كَرِيمًا أنْ يقْبَلَ القَوْلُ مِنْ إنسَانٍ لِمُجردِ أنَّهُ قَدِيْمٌ، وَأنْ يُرَدَّ عَلَى المصيبِ قوْلُهُ لَكَوْنِهِ حَدِيثًا!
وَقَدْ أجَادَ ابْنُ شَرَفٍ القَيْرَوَانِي (ت: 460 هـ) إذْ قَال:
قلْ لِمَنْ لَا يرى المُعَاصرَ شَيئًا ... يَرَى للأوائِلِ التَّقْدِيْمَا
إِنَّ ذَاْكَ القَدِيْمَ كان حَدِيثًا ... وَذَاكَ الحَدِيث سَيَبْقَى قَدِيْمَا
وَمَعَ مَا فَتَحَ اللهُ تَعَالى بِهِ مِنَ الصَّوَابِ، وأجراهُ عَلَى يَدَيَّ بَيْنَ دَفَّتَىْ هَذَا الكِتَابِ، فَلَا أفْخَرُ بَعَمَلِى وَلَا أزْهُو بِهِ في الآفَاقِ، مَعَاذَ اللهِ! وَهَلْ بَقِى مَعَ الناسِ اليَوْمَ مِنَ العِلْمِ -إِذَا ذُكِرَ الأوَلُ- إلَّا فَضْلُ بُزَاقٍ؟!
وَقَدْ -وَاللهِ- أنفَقْتُ عَلَيْهِ النَّفِيْسَ وَالغَالِ، وَكَابَدْتُ فيه من