إلا مَن بِضَاعَتُهُ مُزْجَاةٌ، وَمَنْ جَهِل شيئًا عَادَاهُ، فَلَا حَولَ وَلَا قوَّةَ إلَا بالله، مَعَ أنَّ قَوْلَهُ: إن عِلْمَ الحَدِيْثِ نَضَجَ ثُم احْتَرَقَ، لَا يَكَادُ يَجْرِى عَلَى خُفٍّ وَلَا حَافرٍ، وَصَدَقَ القائِل: كَم تَرَكَ الأولُ للآخِر، والعِبَارَةُ تَحْتمل مَعَنى غَيْرَ هَذَا مَزْبورٌ في الدَّفَاتِرِ، لكنَّهُ أوْرَدهُ مَوْرِدَ الذَّمِّ لأهْلِهِ، فَأحْبَبْتُ أنْ أقوْلَ قَوْلًا -لِيَتَعلَّمَ بِه- فَيَخْرُجَ مِنْ جَهْلِهِ. فَإنَّ الحُكْمَ على ما في الصُّدورِ دَفِينٌ، لَيْسَ مِن شِيْمَةِ أصْحَابِ الدينِ والوَرَع الثخِيْنِ، وَلَوْ كَاْنَ تَبْيِينُ الخَطأ من الصوَابِ، يُعدُّ لَوْنًا مِن الاغْتِيابِ، فَلَا نَعْلَمُ أحَدًا من الناس إلا جَانَفَهُ، وَارِتَكَبهُ وَقَارَفَهُ، وَإنما هَذَا مَذْهَب لِبَعض الخَامِلِيْنَ، فَهُوَ بالرد قمينٌ، فَإنَّ مُنَاقَشَةَ العُلَماءِ مِنَ السالِفِيْنَ أوِ المُعَاصِرِيْنَ في بَعْضِ مَا ذهبُوا إلَيْهِ لَيْسَ حَطًّا عَلَيْهم، فَضْلًا عَنْ أنْ يَكُوْنَ غيبةً محَرَّمَةً، وَكَيْفَ يَكُوْنُ تعقبُنا لِكُبَرَاءِ شُيُوخِنَا وأئِمتِنا، وعُلَمَاءِ سَلَفِنَا طَعْنًا عَلَيْهِم وَبِهِمْ ذُكِرْنا، وَبِشُعَاع ضِيَائِهِمْ تَبَصرنَا، وَباقْتِفَاءِ وَاضحِ رُسُوْمِهِمْ تَمَيَّزنَا، وَبِسُلُوكِ سَبيلِهمْ عَنِ الهَمَج تَحَيَّزْنَا، بَلْ مَنْ أنْعَمَ النَّظَرَ وَأعْمَلَ الفِكْرَ، وَجَدَ أنَّ بَيَانَ مَا أَهْمَلُوا، وتَسْدِيْدَ مَا أغفَلُوا هُوَ غَايَةُ الإحْسَانِ إلَيهِمْ، فَإنَّ هَولَاءِ الأئمَّةَ يومَ وَضَعُوا الكُتُبَ، أوْ تَكَلَّمُوا في العِلْمِ، إنما كَانُوا يُرِيدُوْنَ بَيَانَ وَجْه الحق، فَإذا أخطَأ الوَاحِدُ مِنْهُمْ، كَانَ هَذا نَقِيْضَ مَا أحبَّ وَقَصَدَ، فَالتَّنبيهُ عَلَى خَطَئِهِ مِن أجلِ إعَادَةِ الأمرِ إلى قَصْدهِ وَمَحْبُوبِهِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْه، -والعِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أهلِهِ-، إذْ لَمْ يَكُن أحدٌ مِنْ هَؤلَاءِ الأئمَّةِ مَعْصُوْمًا مِنَ الزللِ، وَلَا آمِنا مِنْ مُقَارَفَةِ الخَطَل، وإنْ كَاْنَ مَا يُتعقَّبُ بِهِ عَلَيهِمْ لَا يُسَاوى شَيْئًا في جَنبِ مَا احْرَزُوْهُ مِنَ الصوَابِ، فَشَكَرَ اللهُ مَسْعَاهُمْ، وَجَعَلَ الجَنَّةَ مَأوَاهُمْ: وَألحْقَنَا بِهِمْ بِوَاسِع إحْسَانِهِ وَمَنِّهِ، وَحَسْبُنا أنْ نَسُوْق عَلَى كل مسألةٍ دليلَهَا