الثَّالِثِ -إذ شَاْءَ اللهُ تعالى-، وَكَذَلكَ في كُلِّ جُزْءٍ، أجعَلُ في آخِرِهِ ذَيْلًا عَلَى الجُزْءِ السابِقِ عَلَيْهِ، وَذَلك مِنْ أعْظَم العِبَرِ، وَهوَ دَلِيلٌ عَلَى استِيلاءِ النَّقْصِ عَلَى جُمْلَةِ البَشرِ ثم إني أريد أن أُشير إلى شَىءٍ، ألمحتُ إليه في مُقدمة الجُزء الأولِ، وَأجعَلُهُ أصلًا، يَكونُ عليه المُعوَّلُ، ذَلِك أنَّ بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلى العِلْم عندَ العّوَامِ، وإنْ لَم يَكُن كَذَلِكَ عِنْدَ العُلَماءِ الأعْلَامِ، لَمَّا اطَّلَعَ عَلَى الجُزْءِ الأوَّلِ من كِتَابِي هَذَا، أُنكَرَ صَنِيعى، وَقَرْطَمَ الكَلَامَ، وَجَعَلَهُ جُذَاذًا، وَصَار يَهْذِى كَالمَحْمُوم، ويتكلَّمُ بِكلام غيْرِ مَفْهوم، ويقولُ: أيُّ شىء يفِيْدُهُ النَّاسُ مِنْ ذِكْرِ اختلافِ الطُّرُقِ، وَمَا عَمَلُ هَذَا وَأمثَالِهِ، وَعِلْمُ الحدِيْثِ نَضَجَ ثمَّ احْتَرَقَ؟!!، ثُمَّ ردُهُ عَلَى العُلَمَاءِ بِدَعْوَى التعقُّبِ، شَهْوَةٌ خفيةٌ، وَتَرْكُهُ إِليَّ أعْجَبُ، عَلَى أنَّ هَذَا وَأمْثَالَهُ لو كَاْنَ لا بدَّ لهُ أنْ يشْتَغِل بالعِلْمِ، فَعَلَيْهِ بتحقيق "جَامِع العلوم"، وَ "كلمة الإخلَاصِ" أو غَيرِهَا من كُتُب ابْن رَجَب!! وأى شَىء مِنَ العِلْم لَدَى المُتأخريْنَ لَمْ يَكُن عِنْد المتقدمِيْنَ، فَيَأكُلُونَ لحُوْمَهُم وَهِى مسمومةٌ، بِدَعوى التَّحْقِيق، وَمَا هُوَ إلا حب الظهورِ، الذِى يَقْصِمُ الظُّهُوْرَ! فَلَمَّا بَلَغَنِي قوله الذي يُعِيد فيه ويبدى -وَقد سَمعتُهُ مِنهُ قَبل عَشرِ سِنيِنَ-، عَلِمتُ أن الاشْتِغَالَ بتَفْهيمِ أمثالِهِ لا يُجْدى، فلا يُنْكرُ هَذَا العِلْمَ وَالتبحُّرَ فِيْهِ