وجودهم، فغدغيا بهم يصبح الكون في قبضة الأضداد الذين ينتحلون غير حقيقتهم، حتى ليدعي الموت انه المسيح والسلام وتدعي النار أنها الماء الذي يسقي الورود لتتفتح، والشموع ترش ضريح بعل بالشحوب بدلا من الماء، والشمس مصدر الدفء تقفقف من البرد، وعشتار مصدر الخصب تصبح رمزا للعقم لآن " بعل " غائب عنها. أن انتصار جيكور كان عودة لبعل وتموز والمسيح، للخصب والدفء والسلام، - كان بعثا للدفء الذي يستطيع ان يطرد قشعريرة الأرض وزمهرير الجو الجليدي، وكان ذلك كله معناه الخلود الذي لا ينقص منه الموت الجميل أي شيء، فخلود الشاعر في ابنه هو خلود بويب في الشجر والسنابل، والشاعر نفسه هو " بويب " فلا ضير عليه أن يرقد في القرار؛ وهكذا تستطيع قصيدة " مرحى غيلان " ان تكون ذات نبض خاص في سياق أسطورة البعث، لأنها تعج بالقوى المحركة والمتحركة (المطر؟ حبة الحنطة؟ الدم؟ ماء النهر؟ النسغ؟ البرعم؟ بعل؟ عشتار؟ المسيح؟ الريح؟ عروق الشجر -) وتجمع عالم الأصوات والألوان، وأنواع الحركة من انسياب وسباحة وانثيال وخطران ونمو وتنفس وركض، أنها تمثل الحياة أو الفرحة بالحياة أصدق تمثيل، وتحيل الموت إلى حقيقة غير مخيفة، بل ربما جعلته حقيقة جميلة، وتجمع بالإيجاب والسلب بين الدفء والبرد، وتفجر القوى الكامنة في كل جهة مستمدة تلك الثقة من صوت جميل صغير بريء؛ فهي ليست علاقة أب بابنه وإنما هي قصة الانتصار على الموت في لحظة من اللحظات، وهذا الانتصار يحقق كل ما حرمه الشاعر (أو ما حرمه الإنسان الحق كما يراه الشاعر) من انتصار للريف على المدينة، وللحقل على الشارع، وللخضرة على الجفاف، وللدفء على البرد، وللسلام على الدمار، وللخصب على العقم؟. الخ، ولكنه لم يكن انتصارا عن طريق السواعد المناظلة وإنما كان الولادة المتجددة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015