والتقمص التناسخي.
لكن في القصيدة عيبا كبيرا لم أشر له، وذلك هو التهويل في الاستجابة، فان ذلك الانتصار الكبير لقوى الحياة حين ينطلق من لفظة صغيرة يتراءى وكأنه سكر بمقدار ضئيل من الخمر؛ حقا ان سحر اللفظة كان يفتح عوالم جديدة في ذهن السياب الشاعر وتصوراته، وقد بدأ ذلك واضحا في قصائد مختلفة، بل كانت اللفظة أحياناً هي الينبوع الذي تسترسل منه القصيدة وتستمد وحدتها، ولكن كلمة " بابا " لم تكن ذات أثر عادي وإنما كانت كالصعقة التي تترك من تصيبه منطرحا ساعات، أو كعملية تفجر متلاحقة، مع ان الطاقة المخزونة فيها يجب الأ تحدث الا انفجارا واحدا. وقد رأينا السياب في شدة انفعاله يحشد الصور حشدا متلاحقا ليشبع نزعته المتعطشة إلى التهويل في قصائد مثل " حفار القبور " و " المومس العمياء "، ولكنه هنا لا يهول بحشد الصور، وإنما هول بالتصور، فيرسل خياله ليقتنص " حد الغاية " في نقل شعوره بأثر لفظة " بابا " بدلا من ان يكون طبيعيا أو واقعيا. وسر ذلك يعود إلى أنه في تلك الفترة لم يعد فحسب إلى ظاهرة التهويل التي تتلائم وسرعة حنقه وانفعاله وحدته بل كان محتاجا إليها وهو محنق مغيظ ساخط متبرم متمرر النفس متعطش إلى النيل من خصومه بكل وجه، ولهذا كان يرى أن العراق يعيش عهدا من عهود الرعب، وان تصوير الرعب لا يمكن أن يتم ببساطة أو دون تهويل، فذهب يذيب نفسه تحت مطارق نفسه تحت مطارق الخوف والموت، ليستطيع نقل جو مشحون بالمناظر المخيفة. ولذلك كانت تصوراته تنقل نماذج من التشويه الفظيع:
فالرؤيا " صقر من لهيب ينقض على العينين ويجتث سوادهما ويقطع الأعصاب " (?) ، وللإنسان نفسه صورة يقشعر لها البدن: