تخضع لقانون عام، ومن الحق أن أقول هنا أن كثيرا من تلك الانتقالات لا تجد مسوغا من طبيعة القصيدة نفسها. ولكن أبرز ما لدى السياب؟ وربما كان اكثر الشعراء احتفالا بذلك - انتقاله من المراوحة بين عدد التفعيلات إلى النظم على السياق الشعري القديم، وكان هذا يخدم الموضوع أحيانا، ولكنه يدل من ناحية أخرى على أن الشاعر لم يكن متزمتا في اختيار الأسلوب الشعري الجديد وان تجديده لم يكن كراهية للقديم من اجل قدمه.
وكانت تجاربه في التنويع بين الإيقاعات توقعه في أخطاء عروضية، وهو من أشد الناس حرصا على التناغم في الايقاع، من ذلك مثلا:
وصعدت نحوك والنعاس رياح فاترات تحمل الورقا ... فهذا مما لا يضبط. غير أن إحساسه العارم بضرورة التقفية المتراوحة يزيدنا يقينا بحرصه الشديد على النغمة المؤثرة بموسيقاها وعلى شيء من الانسجام الداخلي في شكل القصيدة.
* * *
إن هذه الدراسة حين حاولت أن تجيب على العديد من الأسئلة لم تثر شيئا حول شكل الحديث بل اعتبرته ظاهرة موجودة تدرس دون تشكك في قيمتها، ولا ريب في أن هناك أمورا أخرى لم يتح لكاتب هذه السطور ان يتناولها كالسلامة اللغوية، والاتساق بين الصور في القصيدة الواحدة، والصور المكررة وعلاقتها بنفس الشاعر، وأثر الأسطورة في ذلك لتكرار، وغير ذلك من موضوعات، ولكنها فيما حققته تعد محاولة أمينة في نطاق الدراسة الموضوعية، لأنها رفضت أن تجعل من الشفقة التي أثارها موت السياب أو النقمة التي بعثتها تقلباته في الحياة رائدها للحكم على شعره.