- 20 -
ذات يوم من أيام 1951 أحس بدر انه تحول إلى وجهة شعرية جديدة وانه لن يكتب شعرا كالذي تضمنه ديواناه " أزهار ذابلة " و " أساطير "، وكان في الحقيقة يومئ إلى الربط بين شعره واتجاهه اليساري - ذلك الاتجاه الذي بدأ مبكرا منذ سنة 1946 - على وجه التقريب - وأستمر حتى عام 1954؛ ولو انا راجعنا حصيلة الشعر الذي يمثل ذلك الاتجاه في مدى ثماني سنوات أو تسع لوجدنا ان ما تبقى منه لا يمثل إلا نسبة ضئيلة في شعر السياب عامة أو بتعبير أدق - فيما جمع من شعره في دواوين. تلك حقيقة هامة تقول أن السياب الإنسان قد تعرض للمطاردة والمحاكمة والتنكر والفصل من العمل والسجن والاغتراب في سبيل عقيدة آمن بها مدة ثماني سنوات أو تسع، ولكن السياب الشاعر لم يقل ثماني قصائد أو تسعا يرضى عنها في نصرة تلك العقيدة. فأما جانب من قصائده فقد كان خطب تستدعيها المظاهرات والمحافل الشعبية، وأما القصائد الأخرى فأكثرها مشمول بالاقتسار والفجاجة وعدم التلاحم بين شاعريته ومعتقده. ولهذا وجد الشاعر نفسه ينسلخ فنيا من انتمائه الحزبي، وكان ذلك أمر سهلا، لأنه لم يستطيع ان يجعل الفن والانتماء حقيقتين متكاملتين، تستدعي الوحدة منها الأخرى. وبذلك انتهت المرحلة الثانية وهي مرحلة