البحث عن أسلوب غير ذاتي في الشعر وتتسم في مجموعها بتجارب مختلفة في السيطرة على القصيدة الطويلة وتنقسم قصائدها في ازدواجية صارخة بين سيطرة المبادىء، ومحاولة الهرب منها إلى شعر ذي لون اجتماعي كئيب تنسلل فيه الانقسام واضحا بين حرية الإدارة والجبرية الخانقة، ولكن القصائد جميعا تتميز بنظرات إنسانية وموضوعات إنسانية، وبإخلاص لا ينكر للتخلص من الذاتية ومن التغني الفردي بسحر الحبيبة وآلام الحب، فقد اخذ السياب يتحدث فيها عن الآخرين أفراداً وجماعات، عن آلامهم وأفراحهم، عن كفاحهم وبؤسهم ومتناقضات أوضاعهم، بقلب إنساني كبير ومشاركة شعورية ذات حظ من الأصالة والعمق. وهكذا اختفت الحبيبة التي كانت مصدر الأفراح والهموم، واستراحت الام في قبرها وفي أعماق قلب ابنها، ومضى بويب يشق طريقه بنفسه دون ان يحتاج وقفة رثاء أو حنين، وأصبحت جيكور نقطة في مربع من مربعات الشطرنج الكوني الكبير، وعلت لفظة " الغد " على لفظة " الموت "؛ حتى الأشخاص السلبيون أمثال الحفار والمومس كانوا يقفون - في النهاية - متشبثين بالحياة، يرفضون الدخول في عالم الظلمات الحالكة.

إلا إن التجربة الإيرانية الكويتية ردت السياب رغما عنه إلى فرديته، حين جعلته يحس بالغربة العميقة، ولكنه لم يلبث ان ربط بين نفسه وبين وطنه: فإذا هو العراق شيء واحد، وأراحه هذا الربط حين تحقق إذ كان قد اصبح لا يرضى لنفسه ان يطلع على الناس باكيا آلامه وجوعه وفقره وحبه المخفق كما كان يفعل في المرحلة الأولى؟ تلك تجارب قد مضى عهدها ولا يريد لها أن تعود، إن استطاع إلى ذلك سبيلا. وتجلت الوحدة الكاملة بينه وبين العراق في قصيدة " أنشودة المطر " فكانت فاتحة المرحلة الثالثة، مرحلة التعرف إلى حقيقة ما يعانيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015