حي البغايا، وتناديه سليمة لتتحسس ما يبيع، وفيما هي تمر يدها على الطيور تتذكر أسرابها التي كانت تراها في صباها، وتتذكر أباها والطلق الناري والفاجعة، وتسمع صوت قهقهات بعيدة فتعرف أن السمسار قد عاد " من الترصد بالرجال على الوصيد " وتتمنى لو كانت متزوجة فتخطر على بالها قصة زوجة بائسة هي امرأة الشرطي الذي يعمل حارسا في حي البغاء لكي يضمن ألا يتم اتجار بالخطايا " الا لعاهرة تجاز بأن تكون من البغايا "، وتدرك أن الزوجة ليست أحسن حالا؛ فينصرف خاطرها إلى الانتحار فتدفع عنها هذه الخاطرة لأنها " حرام " فيستبد بها الغيظ وتتساءل في حرقة بالغة: أذن " لم تستباح "؟ ويغلي الغيظ في صدورها حقدا على الرجال، وتتشفى بتوزيع الداء عليهم، ولكنها تتذكر انهم ليسوا سواء: فمن كان منهم كأهل قريتها كانوا أناسا طيبين، جائعين مثلها " ومثل آلف البغايا، بالخبز والاطمار يؤتجرون " ومن كانوا كالذين اغتصبوها؟ من جند الحرب - فهم المجرمون حقا، في استعلائهم وزهوهم؛ وتسمع وقع أقدام السكارى فيتمثل لها الوجود كله مقسوما في شطرين يفصل لبنهما سور، ها هنا بغايا وهنالك سكارى - تلك هي حياة البشر، وكل فريق منهما يطلب الآخر، ولكن السور عنيد كسور يأجوج ومأجوج الذي سمعت عنه في الصغر، لا يمكن ان يدكه إلا طفل اسمه " ما شاء الله "، ويدركها الإحساس بأن الزناة يعرضون عنها. ألانها عمياء؟ ولكن الذين يطلبون جسدها لا يبحثون فيه عن عينيها. أترى ان رفيقتها " ياسمين " هي سبب أعراضهم عنها لأنها تزينها بالطلاء، فتتعمد تشويه محاسنها؟ ولكن لا، أنها تغيرت حقا عن تلك الصبية التي كان شعرها يلهث بالرغائب والطراوة والعبير، الصبية ذات الثغر الجميل والنهد الكاعب. ولكن إلى متى هذا الجوع والذباب قد شبع من قمامة المدينة؟ الجوع الصارخ يجعلها تصرخ؟ بينها وبين نفسها - مستدعية السكارى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015