إن هذا السرد التاريخي يبين ان انتقال القصيدة حسب السياق الزمني سيكون خلوا من الأحداث، ولهذا لا يمكن اعتماده في القصيدة واهم حادثة في حياة هذه الفتاة هي ما اتصل بمقتل والدها، ولهذا كان البدء بها ممكنا. ولكن الشاعر كان يعتقد أن القصيدة الطويلة لا بد من ان تكون ملحمية الطابع، والملحمة تتطلب فاتحة تمهيدية، فذهب يمهد للقصة طويلة زادت على ست صفحات: عرض فيها للصورة الليلية التي أطبقت على المدينة، فإذا المدينة نفسها عمياء، والعابرون في طرقاتها هم أحفاد " أوديب " الأعمى؟ فهم أيضاً نسل العمى - تقودهم شهواتهم العمياء إلى المبغى حيث المقبرة الكبرى التي تطبق على جيف مصبغة بأنواع الطلاء، واحد السكارى (أعمى آخر) يدق على الباب يحلم بدفء الربيع، فيسخر الشاعر منه ومن حلمه الكاذب ويخبره ان شيطان المدينة (أي المال) لم يراهن في ذلك الحي إلا على أجساد مهينة محطمة، فليضاجع أية امرأة منهن لييسر لها الطعام، وليس ذلك السكير بأسوأ حالا من الأب الذي جعل من ابنته متاعا يشرى بالمال، فهو قد دفعها (في عماه وجهله) إلى ذلك المصير، وليست التي لحقت بالمواخير أسوأ حالا من " النائمات في كنف الرجال " اللواتي يعاملن بامتهان فهن أيضاً عمياوات في الذلة المضروبة عليهن، وكلهن؟ سواء بقين في كنف الرجال أو في حظيرة الإثم - يربين أطفال الحقد في صدورهن ليعصفن بالرجل المستبد الممعن في عماه.

تلك هي المقدمة وهي رغم التنقل السريع بين جوانب مختلفة من الصورة الكبرى لوضع المرأة، وقسوتها التقريرية، ووضوح التوجيه المقصود، من خير المقدمات التي يعنى بها السياب عناية خاصة في قصائده الطويلة، لأن وحدة " العمى " الحقيقي والمجازي فيها تجعل قصة المومس العمياء جزءا لا يتجزأ من اللوحة الكبرى.

وتبدأ القصة بعد ذلك بصورة بائع الطيور وهو يعرض سلعته في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015