الجديرة بالتصوير، لرسم المفارقة البعيدة أولاً بين الماضي والحاضر، وللهرب إلى أحضان الماضي الجميل من شقاء التعاسة الراهنة؛ أي أن نمو قصيدة تتناول مثل هذا الموضوع يتم بالمزج بين الرؤية للواقع على ضوء من الذكريات، كما يكون للتداعي واللمح الرجوعي أثرهما في بناء القصيدة. وعلى التداعي والرجعات الخاطفة اعتمد السياب كثيرا في قصيدته، حتى جاءت سلسلة: حلقاتها الرؤية (أو التأمل في الواقع) والاستنكار، وليس يربط بين تلك الحلقات أحياناً إلا الخيط العام وهو صلة المرأة بكل حلقة منها على حدة. ويتم وصل هذه الحلقات بسرعة خاطفة تفوت على القارئ الفحص عن مدى التعسف أو الضرورة في ذلك الربط.
وتتخلص القصة؟ من حيث كيانها التاريخي - في سطور: فتاة اسمها سليمة، من أصل عربي صريح، عاشت في كنف أب فقير، كان يعمل حصادا بأجر، وذات يوم سمعت طلقا ناريا في الحقول، فهرعت تستطلع الخبر، وقلبها يحدثها ان والدها ربما صاد بطة تصلح طعاما لهم في ذلك اليوم، ولكنها تجد أباها مضرجا بدمائه، قتله إقطاعي (أو حارسه) اتهمه بأنه دخل حقله يسرق من قمحه الناضج، والفلاحون من حوله يهمسون في ذلة مرددين تلك التهمة: " رآه يسرق ". وتنشب الحرب وتجيء آلاف الجنود إلى العراق، فتستباح اعراض، وتقع سليمة فريسة لهذا المد العاتي، وتصبح بغيا محترفة، ويكون الإقبال عليها في شبابها كبيرا، ولكنها تصاب بالعمى وتحس بوطأة السنين الزاحفة، كما يتغير اسمها بعد فقد البصر فيدعونها " صباح ". وبسبب عماها يبتعد عنها طلاب الشهوة وتحس بالجوع والحاجة إلى المال. وفي غمار تلك الحياة القاسية تفقد بنتا كانت من ثمرات الإثم؛ وها هي في ذلك الوضع المحزن تستدعي الأيدي التي تشتري جسدها بما يسد الرمق فلا يسمع دعاءها أحد.