المكدودة، وصورة العابرين، وإلى السكير الذي يرتاد حي البغاء، ولكن لا بد من تغير الدافع المحرك للقصيدة: فقد كان هو المال لإشباع الشهوة الجنسية، أي أن الظمأ الجنسي كان هو الدافع الأقوى في توجيه قصيدة الحفار، ويصبح عنصر المال أقوى في قصيدة " المومس والعمياء " وتصبح الشهوة الجنسية وسيلة للحصول عليه، وتغدو الغاية من العنصرين: الشهوة والمال هي الحصول على القوت. وحين يتغير الدافع في القصيدة تتغير معالم أخرى كثيرة تبعا لذلك: فتدخل في الصورة شخصيات جديدة منها عدد من البغايا، والقواد، والجنود وصورة والد الفتاة التي أصبحت بغيا، وزوجة الشرطي، وبائع الطيور في حي البغاء، وعندما يتغير الدافع ويقوى عنصر المال يصبح إفراده بالحديث أمراً طبيعيا في القصيدة الجديدة؛ وتتعدد المسارب النفسية إلى الموضوع: فيمكن الوقوف عند الانتحار، والاحتجاج الجريح على هذا الوضع السلبي، والتغلغل في الذكريات، والمقارنة بين الصبا وخطر الشيخوخة الزاحفة، وبالجملة فأن قصيدة حفار القبور ليست سوى صورة لرجل معين يمشي في الطريق من الجبانة إلى المبغى ثم يعود إلى القبور. أما قصيدة " المومس العمياء " فأنها تاريخ حياة امرأة؟ شريط زماني يسترسل في داخل مخطط مكاني عريض هو حي البغاء في بلد عراقي. ولذلك كان هم الشاعر أن لا يعزل استرسال ذلك الشريط عن الواقع المكاني، بل ان يبقي البعدين الطولي الزمني والعرضي المكاني متجاوزين أو متلازمين.
وتاريخ حياة إنسان قد يقص حسب تتابعه الزمني، ولكن القصيدة تضيق ذرعا بذلك أحياناً، لأن نمو القصيدة ليس من الضروري أن يعتمد على تسلسل الزمن؟ كنمو الإنسان؛ فإذا تذكرنا ان قصة حياة فتاة تحترف البغاء لا تصور إلا في لحظتين: ما قبل السقوط وما بعده، أدركنا ان اللحظة الأولى هي