ومن يرتمي فوق صدر الأب ... إذا عاد من كده المتعب؟ (?) ... ولهذا احتفظ بأجزاء قصيدته مرتبطة معا، وان كان اضطراب المبنى قد جعلها عرضة للتكرار غير الفني، وللاختلال في الصورة الكبرى. لماذا حدث ذلك؟ - أعني اضطراب المبنى - قد يكون هناك غير سبب واحد: أما أولا فأن الاحتفاظ بالازدواجية التي ظهر في الدورتين الأوليين لم يكن ممكنا، فقد وضع فيهما الشاعر الخطوط الأولى لكل ما يريد ان يقوله وثانيا ان الشاعر لا يكف قلمه عن الأسراب وراء أية جزئية في موضوعه، ولم كان ذلك خروجا على المبنا العام، وثالثا إن الموضوع الذي اختار الشاعر كبير يتسع للحياة الإنسانية كلها ومن ضعف التصور أن يظن أي شاعر انه قادر على الوفاء بمثل هذا الموضوع، وموقفه أدق حين يكون - كبدر - شاعرا يستهويه التفصيل؛ ورابعا لأن المبنى المزدوج يظل يتقبل مزيدا من الدورات دون أن يبلغ مرحلة الختام، ولهذا اضطر الشاعر ان يحول القصيدة إلى " شعارات "، يحيي فيها جميع العاملين من أجل السلام، وان يمنحها خاتمة تشبه أن تكون من قبيل التفاؤل المقرر سلفا.
ومع ذلك كله فان للقصيدة جمالا خاصا يفردها بين كل ما عرفناه من قصائد بدر، لانا إذا تجاوزنا الشكل السياسي المفروض على ذهن الشاعر من الخارج وجدناها قصيدة تنبض بشتى صور الطفولة العذبة، وتفيض بمشاعر إنسانية قوية وخاصة عند التصدي لغياب نجوم الطفولة عن عالم الإنسان - انها انتصار للحياة على الموت، وهذا شيء فذ في شعر السياب - أو في اكثر شعره، على وجه الدقة. وهي بهذا كله ترتفع كثير على قصيدة " فجر السلام " وان اشبهتها في بعض تفاؤلها