في مقلة جوفاء خاوية يهوم في ركود ... كفان قاسيتان جائعتان كالذئب السجين ... وفم كشق في جدار

صورة الحفار قد ماتت فيها كل معاني الإنسانية وتزداد الصورة وحشة وخوائية وهو يناجي نفسه ويعلن عن مرارته الكامنة لأنه لا يرى نعشا يلوح عن المدى، فلم إذن تنعب الغربان؟ ولم يعيش المرضى الجائعون، ان ذلك معناه انه سيموت ولذلك فهو يتوجه إلى مخاطبة الله لعله يرأف بحاله فيأمر بإهلاك نسل العار، فقد مضى عليه أسبوع وهو يحفر ثم يملأ التراب المتهايل ما حفر؛ وهو يحس بجوع آخر:

هل كان عدلا ان احن إلى السراب ولا أنال ... إلا الحنين، والف أنثى تحت أقدامي تنام!! ... أفكلما اتقدت رغاب في الجوانح شح مال ... ثم يسأل أين هي الحرب مصدر رزقه الكبير، ولذلك يتمنى لو عاش في تلك البلاد التي حدثوه عما فيها الحرب:

ما زلت أسمع بالحروب فما لأعين موقديها

لا تستقر على ثراها؟

ويتنازعه الحنين إلى دفن الموتى وإلى الأجر الذي يهيئ له أن يحصل على الطيبات، ويحاول أن يعتذر عن مهنته فليس هو الجرم الحقيقي وإنما هم صناع الحروب ثم يستيقظ في نفسه المظلمة " قابيل " حين يلوح له من بعيد ما يحسبه ضيقا جديدا. وتحقق ما تمناه ودس في جيبه بعض النقود وجعل وجهته المدينة ومضى يحلم بالنساء العاريات وبالخمور:

وتحسست يده النقود وهيأ الفم لابتسام

حتى تلاشى في الظلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015