الحانات والمواخير شعورا بالراحة من عبء الفورات وحالات الكبت، وعززت شعوره بالاستقلال الذاتي وأضعفت من التردد والخجل اللذين كانا يقعدان به عن مواجهة أية فتاة بحقيقة ما في نفسه. ولكن هذه التجربة الجديدة كانت في كل مرة تنتهي إلى اشمئزاز لا بد منه، وثار الريفي المستكن في اهابه على هذا الانحدار في المجاري الدنيا من حياة المدينة. أيمكن أن تكون هذه هي الحياة الصحيحة للعلاقة بين المرأة والرجل؟ كلا؛ بل لا بد من حياة ينظمها الحب وتسيطر فيها الألفة لا " الأجر " المدفوع؛ وإذا كانت هذه التجربة قد أعجزت بدرا عن أن يحب امرأة معينة فأنها شحذت لديه الإحساس بحاجته إلى المحتجبة خلف أستار الغيب (?) . ولم يستطع انتماؤه وهتافه بالحرية والرجاء في المستقبل وإيمانه بأن " المنتظرة " كالصباح، لا بد من ان ينبلج؟ بل هو قد انبلج حقا - لم يستطع هذه جميعا أن تطرد صورة الموت من نفسه، ولما مات خاله بداء السل في حدود هذه الفترة تصور انه هو الذي مات بالداء نفسه، حين كتب قصيدة: " رئة تتمزق ": (?) :
الداء يثلج راحتي ويطفئ الغد في خيالي ... ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال ... تهتز في رئتين يرقص فيهما سبح الزوال ... مشدودين إلى ظلام القبر بالدم والسعال ... واحسرتاه! أكذا أموت كما يجف ندى الصباح ... ما كاد يلمع بين افواف الزنابق والاقاحي ...