ثم رأى عينين زرقاوين فاشتهى أن تكون هذه الزرقة هي التي تضيء أيامه وتقهر " أشباح الشتاء " فتفر هاربة.
إن رسم صورة كاملة لهذه المنتظرة التي كانت تداعب أحلامه ليس سهلا، ولكنه حين اخذ يتأمل الواقع وجدها سمراء ذات غلالة زرقاء وعينين زرقاوين وشعر اسود مسترسل (صورة لا تخلو من غرابة وربما كانت صورتين مجموعتين معا) ولا بد أن يكون فيها شبه من الحب الاول، لأنه كلما حاول الوقوع في حب جديد، استيقظت ذكرياته فوقعت حائلا دون ذلك، وتذكر الإخفاق المتوالي فارتجفت أوصاله بقشعريرة باردة. وهذه المنتظرة لا بد أن تكون هي نهاية المطاف، لا بد أن تكون زوجة لأن الحب لا معنى له إذا لم ينته بالزواج (?) :
الهوى بيت عاشقين اطمأنا ... لا سؤال أأنت قبلت فاها يشرف الحب جامعا بين زوجين يصفو الحياة أو في شقاها ... ينسجان الزمان من قبلة سكرى بكن الغد المرجى صداها ... ولهذا اصبح لقاء المنتظرة يعني تحقيق الحلم الأكبر وهو بيت على ربوة (وليكن كوخا) يشرف على النهر، وتحيط به من هنا وهناك أشجار النخيل الظليلة. ولم يكن استشرافه إلى هذه المنتظرة ناجما عن إخفاقه المتوالي في الحب وحسب، فلو اقتصر الأمر ذلك الإخفاق فأنه ربما أدى إلى ثورته المرأة ورغبته في التشفي والانتقام، وإنما كان العامل الأقوى الذي طوح بآماله إلى مسافة بعيدة، أعني نقلها إلى صورة مثالية، هو تجربته الواقعية في دنيا الأجساد، ذلك ان بدرا بعد عودته إلى المعلمين أثر حادثة فصله لم يعد يقنعه أن يحلم بدفء الجسد، ويتخيل لذة القبلات، بل أصبحت رجلاه جريئتين على تخطي الحاجز العذري إلى حيث يشتري اللذة بدراهم معدودات، وقد منحته