هل تكفي
العودة إلى القرآن لنهضة الأمة؟!
الأمة الإسلامية الآن في حالة من التفكك والضياع لم يسبق لها مثيل.
ولقد نجح أعداؤها في إضعاف بنيتها الأساسية، وهدم جزء كبير من منظومة القيم والأخلاق داخلها، واستخدموا- ولا يزالون يستخدمون- في ذلك وسائل عديدة مثل الإعلام الفاسد الماجن الذي يغسل العقول ويوجه الاهتمامات نحو سفاسف الأمور، والانشغال بتحصيل الشهوات.
ومع الإعلام الفاسد يأتي التعليم الذي يهدم أكثر مما يبني.
فنتج عن ذلك أن غلب على أفراد الأمة ضعف البنية التربوية الصحيحة، وضَعُف الإيمان، واشتعلت الشهوات، وزاد الانبهار بالحضارة الغربية.
وعندما هبت ريح طيبة تجذب الناس إلى الدين، حدث أن انصب التعامل معها على الناحية الشكلية أكثر من الموضوعية.
فانتشر غطاء الرأس عند النساء، وزاد عدد المصلين في المساجد، وازدحمت البلد الحرام بالمعتمرين والحجاج، وكثر عدد المتطوعين بالصيام والقيام.
ومع ذلك كله لم تتغير الأخلاق كثيرًا، فالأثرة، وحب الدنيا، والتعلق بها هو السمة الغالبة على مجتمعاتنا.
لقد نجح أعداء الإسلام في تغيير الأمة تغييرًا سلبيًا، وإضعاف سلطان الدين في نفوس أبنائها، وساهموا - بمكر شديد- في تحويل مفهوم الالتزام بالإسلام إلى الناحية الشكلية؛ لذا كان التحدي الأكبر الذي يواجه العاملين للإسلام الآن هو كيفية إصلاح ما تهدم في الكيان الداخلي المسلم، وتقوية سلطان الدين في نفسه، وإعادة بناء منظومة القيم والأخلاق داخله.
وإن هذا لهو الجهاد العظيم الذي تحتاجه الأمة الآن أكثر من أي وقت مضى.
نعم، إن الأمر ليس سهلاً، فمعاول الهدم كثيرة، والتحديات عظيمة، ولكن ليس لنا طريق سوى ذلك إن أردنا صلاحا حقيقيًا لهذه الأمة.
لابد من البدء بأنفسنا وإقامة الإسلام فيها أولا، ثم الانتقال إلى المجتمع والعمل على تغييره تغييرًا حقيقيًا.
إن المسلمين في هذا العصر ومع انتشار الفضائيات لا تنقصهم المعرفة بقدر ما ينقصهم الإيمان والقوة الروحية التي تتغلب على أهوائهم، وتدفعهم للقيام بمقتضيات ما عرفوه.
من هنا تبرز أهمية العمل على زيادة الإيمان في قلوبهم بالدرجة التي تمكنهم من التضحية بمحابهم وشهواتهم من أجل رضا الله عز وجل ..
وأعظم وسيلة لزيادة الإيمان هي القرآن كما أسلفنا.
فإذا ما استطاع العاملون للإسلام والدعاة إلى الله أن يقدموا القرآن للناس على حقيقته، ويجتهدوا في إزالة كل ما علق بالأذهان من تصورات خاطئة عن طريقة التعامل معه، ويقوموا بتوجيههم نحو كيفية الانتفاع الحقيقي به، فإن هذا من شأنه أن يكون له أبلغ الأثر في التغيير الحقيقي للمسلمين.
إن مشروع الإصلاح الإسلامي الذي يتبناه العاملون للإسلام والذي يبدأ بإصلاح الفرد فالبيت فالمجتمع فالأمة ... روحه الحقيقية هي التربية والتكوين.
والتربية والتكوين في حاجة ماسة إلى قوة دافعة، ودافع ذاتي دائم .. وهذه هي وظيفة القرآن المتفردة.
بمعنى أن القرآن هو روح هذا المشروع الإصلاحي الضخم، وهو كذلك يسع جميع الدعاة وكل من يريد خدمة الإسلام شريطة أن يبدأ بنفسه أولا، وأن يتعاون مع العاملين للإسلام - قدر استطاعته- في استكمال بناء المشروع الإسلامي.
ونؤكد هنا مرة أخرى بأن هذا الدين لن يقام - كاملا- مرة أخرى في حياة الناس إلا بجهد البشر، فلن تنزل الخوارق من السماء للتمكين لهذا الدين بينما الناس غرقى في بحر شهواتهم.
فلابد من جهد يبذل في كل مناحي الحياة ويركز على التربية الصحيحة لأفراد الأمة.
هذا الجهد لابد وأن يبذله أُناس مؤمنون صالحون {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ - إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105، 106].
أي أن هذا الدين لن يقام بأمر الله إلا من خلال جهد بشري يبذله مؤمنون صالحون.
فلا بديل عن بذل الجهد في إصلاح المجتمع، على أن تكون جذوة الإيمان قد اشتعلت في قلوب أصحاب هذا الجهد، مع التأكيد بأن الإيمان الحي مصدره الأول هو القرآن.