الدعوة إلى العودة للقرآن

ومن الوسائل الهامة لفهم القرآن، والتفاعل معه، والانتفاع به: دعوة الناس إلى العودة الحقيقية إليه.

فهذا القرآن كما يقول سيد قطب: لا يدرك أسراره قاعد، ولا يعلم مدلولاته إلا إنسان يؤمن به، ويتحرك به (?).

الجهاد الحقيقي:

إن الجهاد الحقيقي الذي تحتاجه الأمة الآن هو بذل غاية الجهد في إعادة المسلمين إلى دينهم، وتغيير ما بأنفسهم - بإذن الله - وهذا لن يتم إلا بالعودة الصحيحة إلى القرآن، والاغتراف من منابع الإيمان فيه.

وهذا يستلزم مِن كل مَن أدرك بنفسه قيمة القرآن، أن يبذل غاية جهده في دلالة الناس على هذا الكنز المهجور، وأن يستخدم في ذلك كل الوسائل الممكنة على أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يتذكر أنه كان مثلهم قبل أن يمن الله عليه ويُريه حقيقة القرآن.

واعلم أخي أنك أكثر المستفيدين من حديثك عن القرآن مع الآخرين، ولم لا وحديثك يجدد في قلبك مشاعر الرغبة في الانتفاع بالقرآن، ويؤكد المعاني في نفسك، ويكون سببا في اشتداد حذرك وخوفك من عدم تطبيق ما تنادي به، ويكشف لك جوانب الضعف في فهمك للأمر ومن ثمَّ تشتد رغبتك في جبرها.

يقول أبو الأعلى المودودي:

لا تستطيع أن تفهم مطالب القرآن وتدرك معانيه البعيدة الغور إلا حين تُحكِّم هذا الكتاب، وتبدأ بالدعوة إلى الله (?).

ومع هذا كله نعود فنؤكد بأنه ولكي يُؤتي هذا الأمر أُكله لابد وأن يبدأ الداعية مع نفسه أولا رحلة العودة إلى القرآن، فيرى ببصيرته معجزته تعمل فيه، وأنواره تسكب السكينة في قلبه، وتُغيَّر موازين القوى داخله، فينتصر إيمانه، وينهزم هواه، ويشعر بأنه قد ولد من جديد.

وهذا لن يتم لنا - أخي - إلا إذا أقبلنا على القرآن كإقبال الظمآن إذا ما رأى الماء، وداومنا على اللقاء به مستصحبين الوسائل التي من شأنها أن تُعرَّض قلوبنا لأنواره - والتي مرت علينا آنفا.

حاجة المسلمين إلى القرآن

إن الناس - كما يقول د. فريد الأنصاري- في حاجة شديدة إلى القرآن الكريم، ينزل عليهم مرة أخرى من جديد! عبر (بعثة) تحيى فيهم كل موات!

ينزل عليهم، عبر الدعاة إلى الله، الدعاة الربانيين، المتفاعلين به، المستمدين لنوره، والمتكلمين بمفاهيمه.

يتنزل على نوازلهم وقضاياهم، وسائر شؤونهم النفسية والاجتماعية، يتحرك به الدعاة في كل مكان، على أنه (رسالة الله) إليكم! أنتم أيها الناس! فردًا فردًا، وأسرة أسرة، ومؤسسة مؤسسة.

يجب أن يكون هو حديثهم الذي لا يسأمون منه، واشتغالهم الذي لا يفترون عنه .. إن أغلب المسلمين اليوم لا يعرفون القرآن! نعم، ها هو ذا المصحف في كل مكان، ولكن قل من يعرف (القرآن)! ومن هنا وجب على الدعاة أن يقوموا بالتعريف به، فمن عرف القرآن عرف الله، ووصل إلى غاية (الرسالة)!

إن القرآن رسالة .. والدعوة إلى الله إنما هي تبليغ هذه الرسالة وإنما يتم (التبليغ) بإتمام الإيصال إلى المحل المرسل إليه .. وإلا فلا تبليغ! وكل داعية خال من الحرارة الوجدانية تجاه القرآن هو آلة معطلة مقفلة غير صالحة للتبليغ (?).

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015