فالتمهل، وعدم الإسراع هو سمة الصحابة في حفظ القرآن، ويكفيك في هذا قول التابعي أبي عبد الرحمن السُّلمي:
حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا العلم والعمل جميعا (?).
ولهذا - كما يقول ابن تيمية- كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
قال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيننا. (?)
ويقول عبد الله بن عمر: كنا صدر هذه الأمة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معه إلا السورة من القرآن أو شبه ذلك، وكان القرآن ثقيلا عليهم، ورزقوا العمل به، وإن آخر هذه الأمة يخُفف عليهم القرآن، حتى يقرأه الصبي والأعجمي فلا يعملون به (?).
لقد كان الصحابة يعلمون تمام العلم أن حفظ شيء من القرآن معناه العمل به وأنهم سيسألون عنه يوم القيامة ... أي أن الحفظ كان مرادفًا للعمل عندهم.
يقول أبو الدرداء: أخاف أن يقال لي يوم القيامة علمت أم جهلت؟
فأقول: علمت.
فلا تبقى آية في كتاب الله آمرة أو زاجرة إلا وتسألني فريضتها.
تسألني الآمرة: هل ائتمرت؟!
وتسألني الزاجرة: هل ازدجرت؟!
فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع (?).
وأتركك أخي القارئ مع هذا الحديث النبوي الصحيح لتتأمله وتتفكر في معانيه: قال صلى الله عليه وسلم: «أكثر منافقي أمتي قراؤها» (?).
وليس معنى هذا هو إهمال الحفظ بل المقصد هو التمهل فيه حتى لا نكون ممن يقول ولا يفعل.
وليكن - على سبيل الاقتراح- الحفظ كل أسبوع خمس آيات وقراءة تفسيرها، والاجتهاد في تطبيقها، والتخلق بأخلاقها.
قال أبو العالية: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، إنه أحفظ لكم، وكان جبريل صلوات الله عليه كان ينزل بخمس آيات متواليات (?).
ومع التمهل في الحفظ لابد من مراجعة ما تم حفظه حتى لا يُنسى، ولكن ينبغي علينا ونحن نراجع الآيات أن ننتبه إلى أن هذه الآيات: قرآن ينبغي تفهمه وتدبره، وهذا يستدعي عدم الإسراع في القراءة، وإعمال العقل لفهم المعنى.
روى الزهري أن عبد الله بن عباس كان يُقرئ عبد الرحمن ابن عوف في خلافة عمر بن الخطاب .. قال عبد الله بن عباس: لم أر أحدًا يجد من القشعريرة ما يجد عبد الرحمن عند القراءة (?).
* * *