يسعى الكثير من المسلمين المتمسكين بالدين إلى حفظ القرآن -بعضه أو كله- وهذا أمر طيب، ولكن لكي يصبح هذا الحفظ حجة لنا، ووسيلة عظيمة لزيادة الانتفاع بالقرآن في تحقيق الإيمان وإحداث التغيير بإذن الله، ينبغي أن يسير حفظ الآيات متوازيًا مع فهم معناها، ومعرفة ما دلت عليه من أحكام وتوجيهات عملية يتم الالتزام بها عدة أيام قبل الانتقال إلى حفظ آيات جديدة .. وذلك هو منهج الجيل الأول في حفظ الآيات.
فإن قلت: ولماذا لا نكثر من الحفظ كما نكثر من القراءة؟!
جاءك الجواب بأن أمر الحفظ يختلف عن أمر القراءة؟!
بمعنى أن الهدف من الإكثار من القراءة هو التزود الدائم بالإيمان، واستمرار التذكرة، والتبصرة، وتقوية الرغبة والدافع لفعل الخيرات وترك المنكرات.
أما الحفظ فلابد وأن يواكبه الفهم والعلم والعمل لأن صاحبه سيحمله بصورة دائمة.
فعلى سبيل المثال: سورة الليل يمكن حفظ ألفاظها في دقائق، ولكن هل يمكن أن نُطلق على من حفظها في هذه الدقائق أنه يحمل سورة الليل، وأن الأخلاق التي دلت عليها السورة صارت تتمثل فيه؟!
إن سورة الليل تحث على كثرة ودوام الإنفاق في سبيل الله، فإذا حَفِظَ ألفاظها شخص لا ينفق من ماله إلا اليسير، ثم بدأ بعدها في حفظ سورة أخرى دون أي محاولة منه لتغيير سلوكه، وجهاد نفسه وحثها على دوام الإنفاق في سبيل الله .. فهل هذا الشخص يُسمَّى حاملا لسورة الليل؟!
وماذا يكون وضعه عندما يقرأ مع نفسه أو يؤم الناس بسورة الليل؟!
ألا يخشى على نفسه من أن ينطبق عليه وصف من يقول ولا يفعل؟!
من هنا يتضح لنا أهمية التمهل في الحفظ وعدم الانتقال إلى حفظٍ جديد إلا بعد أن يمارس المرء ما دلت عليه الآيات ولو لبضعة أيام.
ومما يلفت الانتباه أنه مع انشغال الصحابة الشديد بالقرآن، واجتهادهم في كثرة تلاوته بالليل والنهار - تفهمًا وترتيلاً- إلا أنهم لم يتنافسوا فيما بينهم على حفظه.