إذن فكيف يتأتى لك اليوم أن يتجلى لك جميع ما يضمر هذا الكتاب من أسرار وحقائق، بمجرد أن تمر على حروفه، وتنطق بكلماته (?).
من هنا نقول بأنه من الضروري - إن أردنا الانتفاع بالقرآن- أن نقبل عليه بشعور التلقي للتنفيذ والعمل، لا بشعور الدراسة والمتاع كما يقول سيد قطب .. نرجع إليه لنعرف ماذا يطلب منا أن نكون، لنكون، وفي الطريق سنلتقي بالجمال الفني في القرآن، وبالقصص الرائع في القرآن، وبمشاهد القيامة في القرآن، وبالمنطق الوجداني في القرآن، وبسائر ما يطلبه أصحاب الدراسة والمتاع، ولكننا سنلتقي بهذا كله دون أن يكون هو هدفنا الأول ..
إن هدفنا الأول أن نعرف: ماذا يريد منا القرآن أن نعمل؟!
ما هو التصور الكلي الذي يريد منا أن نتصوره؟!
كيف يريد القرآن أن يكون شعورنا بالله؟!
كيف يريد القرآن أن تكون أخلاقنا وأوضاعنا، ونظامنا الواقعي في الحياة (?)؟!
واعلم - أخي- أنه: (سيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن، طالما نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التي تواجهنا .. بينما الآيات نزلت لتواجه نفوسًا ووقائع وأحداثا حية، ذات كينونة واقعية حية) (?) ..
(ولن ننتفع بالقرآن حتى نقرأ لنلتمس عنده توجيهات حياتنا في يومنا وفي غدنا، كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر في شؤون حياتها الواقعة.
وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد، وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي!
سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق، وتقول لنا: هذا فافعلوه وهذا لا تفعلوه. وتقول لنا حديثا طويلا مفصلا في كل ما يعرض لنا من الشؤون .. وسنجد عندئذ في القرآن متاعًا وحياة، وسندرك معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] فهي دعوة للحياة .. للحياة الدائمة المتجددة) (?).