فمن تلك الإحالة أنك تجد في أوائل علم العروض عند ذكر أنواع الزحاف والعلة قولهم: الخبن هو: حذف الثاني الساكن كحذف ألف فاعلن وفاعلاتن وسين مستفعلن وفاء مفعولات وهو يدخل عشرة أبحر: البسيط والرجز والرمل والخفيف المنسرح والسريع والمديد والمقتضب والمجتث والمتدارك. وهكذا يمضي المؤلفون في جميع أنواع الزحاف والعلة.
وتراه أيضًا قبل البدء في ذكر البحور، يقدمون بابًا عنوانه: ألقاب الأبيات، فيذكرون فيه التام والمجزوء والمشطور والمنهوك، ويعرفون التام بأنه: ما استوفى جميع أجزائه، والمجزوء: ما حذف منه عروضه وضربه، فأنت تراهم يحيلون على المجهول بذكر العروض والضرب، قبل أن يعرف المبتدئ ما هو العروض أو الضرب!!.
وتراهم أيضًا يذكرون في هذا الباب المصرَّع ويعرفونه: بأنه ما غيّرت عروضه عما تستحقه لتلحق بالضرب في الوزن والروي، ولا عهد بعد للمتعلم بما تستحقه العروض.
2- وفي التأليف القديم والحديث لهذين العلمين، نجد المؤلفين قد وقفوا عند الأبيات التي استشهد بها الخليل وأصحابه لا يتعدونها، وكثير منها غير جلي، فيكون الجهل بمعناها حيلولة ما دون الأنس بها واستظهارها. ثم إن اتحادها في كل كتاب يجعل ترديد النظر في الكتب المختلفة قليل الجدوى. والقاعدة إذا اختلفت شواهدها، وتعددت صورها؛ كان ذلك أدعى إلى استقرارها في النفس.
3- تقدمت العلوم وطبقت عليها قواعد التربية الحديثة، فأعقب كل باب من أبواب النحو -مثلًا- بتطبيق على مسائله يختبر فيه العقل ويستدل على مقدار التحصيل وتثبت به الفروق بين المسائل وتجلى به غوامضها، ولقد كان عِلْمَا العروض والقافية أولى العلوم بذلك؛ ولكننا لم نجد فيهما إلا سردًا للمسائل وتوحيدًا للشواهد وإقلالًا منها، فهما لم يتَّبعا سنة الترقي التي تجلت في غيرهما من العلوم.