أحوال قافيته، وأخرج للناس هذين العلمين الجليلين.
والعجب من أمره -وليس في التوفيق والذكاء عجب- أنه أبرز العلمين كاملين مضبوطين مجهزين بالمصطلحات، التي لم يجد المتأخرون عنها مَعْدِلًا، وكل ما استدركه المتأخرون على الخليل1 فهو مسائل فرعية، وأمور اعتبارية لا تقدم ولا تؤخر في كون الرجل هو الأول والآخر في هذين العلمين، ولم نسمع بمثل ذلك في الأولين ولا في الآخرين، فسبحان الله واهب القوى!.
ولقد عانيت العلمين طالبًا ومعلِّمًا، فوجدت فيهما استعصاء على التحصيل صرف الناس عنهما على جلالة قدرهما، والرغبة في معرفتهما، ووجدت عالم العربية الجهبذ، الواعي لدقائقها في النحو والتصريف، والبلاغة وما إليها، والأديب الراوي لقديم الشعر وحديثه، الخبير بمواضع نقده وأخبار شعرائه، والشاعر المطيل لقصائده، المعدد لأنواع قوافيه، رأيتهم إذا عرض أمر مما يتعلق بموضوع هذين العلمين كالتردد في وزن بيت أو ضبط قافية، طووا حديث ذلك يأسًا من الوصول إلى حل للمشكل الذي عرض.
ولقد طال ما روَّيت في أمر هذا الاستعصاء والانصراف، فهداني الله يحسن توفيقه إلى هذه الأسباب:
1- تكثر في كتب العروض الإحالة على مجهول؛ وذلك عيب في أصول التربية؛ فإن المرء إذا كان أمام مسألة يحصلها وجب أن نمهد له مقدماتها، ونسهل سبلها، حتى يصل إلى النتيجة بيسر، ويحصل على علمها باليقين الذي لا شك معه، فأمّا إذا شغلته حين تفهيمه بالمسألة بمسائل أخرى لم يسبق له معرفتها، فقد وزعتَ فكره بين الأمرين، ونفَّرت طبعه بهذا المجهول الذي تحمله على الإقرار به.
ولا بد لنا من الاستدلال على هذا العيب بضرب المثل، وإن كان سنقع فيما وقع فيه المتقدمون من الإحالة على المجهول، فإن شئتَ ألا تقع في هذه الإحالة فأخِّر قراءة هذه المقدمة حتى تنتهي من الاطلاع على كتابنا.