...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي انتفعنا بالصلاة عليه في مواطن كثيرة، فاهتدينا بها بعد حيرة، وأمنا بعد خوف، وَمُكِّنَّا بعد اضطراب.
وبعد ...
فإن من علوم العربية الجليلة علمي العروض والقافية اللذين يتناولان الشعر العربي ضبطًا لوزنه، وتحقيقًا لقافيته، بإثبات ما أثبته لهما العرب ونفي ما نفوه عنهما.
ولهذين العلمين خطرهما وعظيم شأنهما؛ لدقة مسائلهما، وكثرة الشبه فيهما، حتى لقد وقعت مخالفتهما في عهد قريب من أيام العروبة الصحيحة، فهما يشبهان النحو في دقة اعتباراته، وسهولة طروء الفساد على الملكة فيه؛ ولذلك رأينا هذين العلمين يقعان في الوضع تاليين للنحو.
فإن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري المتوفى سنة 160هـ على ما ذكره الأنباري في كتابه: نزهة الألبا في طبقات الأُدَبا، أو سنة 170هـ أو سنة 175هـ على ما ذكره القاضي ابن خلكان في كتابه: وفيات الأعيان؛ لما رأى ما اجترأ عليه الشعراء المحدثون من الجري على أوزان لم تسمع عن العرب، أو ما خانهم فيه الطبع من الخروج على الأوزان العربية بزيادة أو نقص، لما رأى الخليل ذلك هاله، فجمع العزيمة -وما أصدق عزيمته- وشحذ الخاطر -وما أرهف خاطره- واعتزل الناس في حجرة له، فجعل يقضي فيها الساعات، بل الأيام يوقع بأصابعه ويحركها وكان على علم بالنغم، حتى إنه ألف فيه كِتَابَي: النغم، والإيقاع، كما ذكره ابن النديم في فهرسته، وما زال الصبر والذكاء يواتيان الخليل حتى حصر أوزان الشعر العربي وضبط