الأوزان الشعرية واختلاف ورودها كثرة وقلة

...

4- لاشك أن المتتبع لأوزان الشعر العربي يجدها تختلف في الورود كثرة وقلة، وقد سبق أن نقلنا عن المعري أنه يقول: "إن أكثر أشعار العرب من الطويل والبسيط والكامل"، وهذا صحيح، يدل عليه الاستقراء، وقد ذكروا أيضًا أن المديد قليل الاستعمال؛ لثقل فيه إلا عروضه الثالثة، كما ذكروا أن الزجَّاج قال عن المضارع والمقتضب إنهما قليلان جدًّا في الشعر العربي حتى إنه لا توجد قصيدة منهما لعربي، وإنما يروى منهما البيت والبيتان.

كذلك بحر المتدارك قليل في القديمة، وقلّته هي التي حملت الخليل على إنكاره، وعدم عِّده بين بحور الشعر، وإثبات الأخفش له لا يدل على كثرة وروده، بل إنه تمسك ببعض شواهد صحت عنده، فهو لا ينكر ندرته.

قالوا: وزعم الزجَّاج أن الضرب المسبغ لمجزوء الرمل موقوف على السماع، وأن الذي ورد منه قول الشاعر:

لانَ حَتَّى لو مشى الذَّرْ ... رُ عليه كاد يدميه

والذي نلاحظه في الكامل قلة ورود أمثلة العروض التامة الصحيحة مع الضرب الأحذ المضمر الذي تصير فيه متفاعلن إلى مُتْفَا بسكون التاء، وتحول إلى فعْلن، مثل قول الحطيئة:

شهد الْحُطَئيةُ يوم يلقَى ربَّه ... أن الوليد أحق بالعذر

ولعل قلَّته جاءت لنقص الضرب عن العروض، والأولى في آواخر الكلام أن يكون أمدّ من أوائله، ألا ترى الترفيل والتذييل والتسبيغ جاءت في الأضرب ولَمْ تأتِ في الأعاريض.

كما نلاحظ في بحر الخفيف أن العروض التامة الصحيحة مع ضربها المحذوف قليلة جدًّا للسبب المتقدم؛ لأن العروض تكون فاعلاتن، والضرب فاعلن، ومثاله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015