عيْنُ بكِّي بالمسْبَلات أبا الحا ... رث لا تذَخري على زمعه
وقد مر البيت.
في البحر المتقارب لم يجئ المجزوء منه صحيحًا كما ورد التام، بل اشترطوا فيه الحذف فصار وزنه:
فعولن فعولن فعو ... فعولن فعولن فعو
ولم نجد في الذوق ما كان يمنع وروده تامًّا، بل قد جربنا نغمته فوجدناها سائغة ونظمنا منه عدة أبيات كان منها:
فهذا كلامٌ بليغٌ ... وهذا هراءٌ وسخفُ
لنا صدر هذا المكان ... ندافع عنه الخصوما
وحسْبُ الفتى صالحاتٌ ... تكون طريقَ الخلود
فهذه الأبيات كلُّها من مجزوء المتقارب تامّة العروض والضرب كلاهما على وزن فعولن وهي كما ترى سائغة في الذوق، ونحن نتساءل في حَيْرة شَديدة: هل رفض العرب أن يقولوا على هذا الوزن؛ لأنه لا يلائم ذوقهم؟ أم أن استقراء الخليل ومن بعده لم يعثر بهذا الوزن في كلامهم؟ فيكون ذلك اتفاقًا غريبًا جدًّا؛ إذ رأينا أشياء فاتت الخليل فتداركها من بعده وتلافوا بفعلهم نقص استقرائه.
والأعجب من كل هذا أننا لم نر أحدًا من العروضيين تنبه إلى ملاحظتنا هذه، وتساءل عن إهمال هذا الوزن مع استساغته في الذوق أو دافع عن إهماله وعلّل ذلك بما رآه.
ولقد عرضتْ لنا هذه الملاحظة في وقت متأخر والكتاب يطبع فلم نجد متسعًا لبحثها، ولعلنا في فسحة من الوقت نقف على رأي تهدأ به حيرتنا: إما بأن نجد من يستدرك مثلنا هذه العروض وضربها من مجزوء المتقارب، أو ممن ينفيه ويعلّل النفي تعليلًا مقبولًا، وقد يكفينا أن نجد للقوم كلامًا في هذا شافيًا أو غير شافٍ1.