البيت الأول فذلك راجع إلى التصريع وهو: إجراء العروض على حكم الضرب بمخالفتها لما تستحقه بزيادة أو نقص.

وإنما فعلوا ذلك في مفتتح القصائد لِيَحْسُنَ التناسق؛ فالمخالفة بالزيادة كقول امرئ القيس:

قِفَا نَبْكِ من ذِكْرى حبيب وعرفان ... وربع خَلَت آياته منذ أزمانِ

فالعروض هنا هي كلمة: وعرفان، على وزن مفاعيلن، وقد عرفت أنها لا تجيء في عروض الطويل إلا مقبوضة، فهي إنما قُبلت هنا من غير قبضٍ ليحصل التشاكل بينها وبين الضرب، وهو: أزمان، على وزن مفاعيلن، ومثال ذلك أيضًا قول الشاعر:

بَكرَت تَحِنُّ وما بِهَا وَجْدِي ... وأحن من وجد إلى نَجد

فدُمُوعها تحيا الرياض بها ... ودموع عيني أقرحت خدي

فإن العروض في البيت الأول وهي: وجدي، على وزن فعْلن بسكون العين، وأصلها متفاعلن دخلها الحذذ والإضمار، مع أن العروض كما عرفت في بحر الكامل لا يدخلها إلا الحذذ، فكان حقُّها أن تكون فعلن بتحريك العين، ولكن لما كان الإضمار مع الحذذ من شأن بعض أضرب الكامل، صح أن تشاكله العروض في أول بيت من القصيدة، ولذلك تراها في البيت بعده حذاء فقط، فالعروض فيه: ضُ بِهَا، ووزنها فعلن كما هو الأصل.

ومن أمثلة التصريع بالنقص قول امرئ القيس:

أجارتَنَا إنَّ الْخُطوب تنوب ... وإني مقيم ما أقام عسيب

فإن العروض هنا وهي تنوب وزنها فعولن، وليس ذلك في أوزان عروض الطويل المعروفة، ولكن ذلك إنما قبل في هذا البيت لتحصل المشاكلة بين العروض والضرب في مفتتح القصيدة، ويمكنك أن تلاحظ كثيرًا من ذلك فيما سبق من البحور وما أُورد لها من شواهد وتمارين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015