ولم يمهل ليتجهز، فودع أهله وخرج وهم يبكون كأنما يساق إلى الموت، فسار يوم الجمعة إلى سرياقوس فأقام بها وبات بها فجاءه مستعجل يستحثه، فاتفق أنه بلغ السلطان شناعة ما عومل به من ذلك فأنكره وتغيظ على كاتب السر وقال: من أمرك أن تزعجه؟ وأمر برده إلى القاهرة، فرجع يوم السبت فأقام عند الدويدار إلى يوم الاثنين، فاصعده إلى القلعة وخلع عليه خلعة حسنة وأمره بالسفر لكتابة سر صفد، فشفع له الطنبغا الصغير راس نوبة أن يقيم ويستمر في الحسبة، فقبل ذلك السلطان فرجع إلى منزله وقد فرح الناس به فرحاً شديداً، ونزل كاتب السر ولم يطلع على ما صنع الطنبغا الصغير فوجد القناديل في الشارع قد صففها الباعة فأنكر عليهم ومال أتباعه عليها بالطفئ والتكسير، فما وصل إلى بيته إلا وابن العجمي قد شق القاهرة بخلعة الحسبة، فجهر العامة بسب ابن البارزي وأسمعوه المكروه جهاراً كلما مر بهم، وكثر ذلك حتى هم بالإيقاع ببعضهم ثم سكت وسكتوا، وأشيع أن السلطان غضب على ابن البارزي وأنه يريد عزله، فخلع عليه في سادس صفر خلعة الرضا، وكان أصل الشر بين المحتسب وكاتب السر أن السلطان نزل إلى مدرسته في خامس صفر، فلما رجع مر في طريقه بخباز فاخذ منه رغيفاً ودخل إلى بيت الأستادار عائداً له من مرضه، فوزن الرغيف فجاء نصف رطل فأنكر على المحتسب، وكان يذكر أن الرغيف ثماني أواق، فشق على المحتسب لما بلغه وضرب الخباز ضرباً مبرحاً، وكان من جهة كاتب السر فأرسل يشفع له فضربه بحضرة القاصد، فبلغه ذلك فشق عليه، وبلغ السلطان خبر ابن العجمي من الطنبغا الصغير وتمراز الأعور فدبر هذه القضية المتعلقة بكتابة السر بصفد، فإنهما جلسا عنده يلعبان الشطرنج فقال أحدهما للآخر: إن زركت عليّ بليت بما بلي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015