على السور فلم يجد أحدا فعاد إلى القلعة، فركب شيخ ودخل من باب القصر وملك المدينة ونزل بدار السعادة، وامتدت أيدي الغوغاء إلى النهب فبالغوا، ونزل المستعين في البلد، ويقال إن دمرداش لما رأى أن حال الناصر تلاشى احتال لنفسه فقال للناصر: أروح أنا وابن أخي واجمع عسكراً من التركمان وغيرهم فمال الناصر لكلامه وأعطاه مالاً كثيراً لذلك فتوجه من دمشق ومعه نحو مائتي نفس، فلما رأى الذين مع الناصر ذلك خارت قواهم ووهنوا، فرأى الناصر علامة الخذلان فقال لهم: من شاء أن يستوثق لنفسه فليفعل، فتفرقوا، ثم تحول شيخ إلى الإصطبل، وأنزل بكتمر جلق في دار السعادة، فلما كان يوم الأحد بعث الناصر يطلب الأمان ويستحلف الأمراء، فحلفوا له على ما أراد وأرسلوا له أخا الخليفة لأمه محمد بن مبارك الطازي فطال بينه وبينه الكلام ولم يفترقا على طائل فعاد والرمي عليهم من أعلى القلعة فعادوا الحصار، فاضطره الأمر إلى أن ينزل ليلة الاثنين ومعه أولاده يحمل بعضهم ويحمل معه بعضهم وهو يمشي من باب القلعة إلى الإصطبل، فلما رآه شيخ قام وقبل الأرض وأجلسة بصدر المجلس فسكن روعه فبات تلك الليلة، وأصبح شيخ يوم الاثنين فلم يجتمع به، واجتمع الأمراء عند المستعين يوم الثلثاء بدار السعادة فاشتوروا فيما يصنعونه بالناصر، فاتفق رأيهم على أن يمضوا فيه حكم ابن العديم، فأخذ في ليلة الأربعاء من الإصطبل فحبس في مكان من القلعة وحده لا يصل إلا من يناوله حاجة المأكول والمشروب خاصة وترك فريداً إلى ليلة السبت سادس عشر صفر، فدخل عليه محمد بن مبارك الطازي ورجل من خواص شيخ وآخر من خواص نوروز ورجلان من المشاعلية، فلما رآهم أحس بالشر فقام ودافع عن نفسه فبادره المشاعلية حتى صرعاه بعد ما أثخنا جراحه وتقدم أحدهما فخنقه، فلما ظن أنه أتلفه قام عنه فتحرك فعاد مرة بعد مرة ففرى أوداجه بخنجر كان معه ثم سحبه بعد ما سلبه فألقاه على مزبلة تحت السماء ليس عليه سوى لباسه وعيناه مفتوحتان، يمر به القريب والبعيد وقد صرف الله قلوبهم عنه فلا أحد يترقق له ولا يحن له بل ربما مد بعضهم يده فعبث بلحيته ثم حمل