ثم عاد إلى حلب فأصابه الفالج في طريقه. وقيل: أصابه في طريقه قولنج، فدخل إلى حلب، وعولج فبرئ. ثم جامع جارية له فأصابه الفالج، واستدعى الطبيب وطلب يده ليجسّ نبضه. فناوله اليسرى فقال: اليمين. فقال: ما أبقت اليمين يميناً، يشير إلى غدره ونكثه في اليمين التي حلفها لأصحاب بكجور.
وكان مبدأ علته لأربع بقين من جمادى الأولى، ومات ليلة الأحد لأربع بقين من شهر رمضان من سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. وحمل في تابوت إلى الرقة ودفن بها.
وكان قاضي حلب في أيامه أبا جعفر أحمد بن إسحاق قاضي أبيه، ثم ولي بعده قضاءها رجل هاشمي يقال له ابن الخشّاب، ثم ولي الشريف أبو علي الحسن بن محمد الحسيني والد الشريف أبي الغنائم النسّابة، وكان زاهداً عالماً ولاّه سعد الدّولة قضاء حلب وعزل ابن الخشّاب عنه في سنة 63، ودام في ولايته إلى سنة 379. وولي بعده أبو محمد عبد الله بن محمد.
وكان العزيز أرسل إلى سعد الدولة يسأله إطلاق أولاد بكجور وتسييرهم إلى مصر، فأهان الرسول، وليم يقبل الشفاعة ورد عيه جواب متوعد متهدد.
ثم إن غلمان سعد الدولة ملّكوا ابنه أبا الفضائل سعيداً ولقبوه سعيد الدولة، ونصبوه مكان أبيه في يوم الأحد. وصار المدير له وصاحب جيشه من الغلمان الأمير أبو محمد لؤلؤ الكبير السيفي، واستولى على الأمور، وزوج ابنته سعيد الدولة، فرفع المظالم والرسوم المقرّرة على الرعيّة من مال الهدنة، وردّ الخارج إلى رسمه الأوّل، وردّ على الحلبيين أملاكاً كان اغتصبها أبوه وجدّه.
وطمع العزيز صاحب مصر في حلب. فاستصغر سعيد الدولة ابن سعد الدولة، فكتب إلى أمير الجيوش بنجوتكين التركي وكان أمير الجيوش والياً بدمشق من قبل العزيز وأمره بالمسير إلى حلب وفتحها، فنزل في جيوش عظيمة ومدبر الجيش أبو الفضائل صالح بن علي الرّوذباري.
فنزل على حلب في سنة 382 وفتح حمص وحماة في طريقه، وحصر حلب مدة، فبذل له سعيد الدولة أموالاً كثيرة على أن يرحل عنه وعلى أن يكون في الطاعة. ويضرب السكة على اسم العزيز، ويكتب اسمه على البنود في سائر أعماله.
فامتنع من قبول ذلك وقاتل حلب في ثلاثة وثلاثين يوماً. وضجر أهل حلب فقالوا لابن حمدان: إما أن تدبرّ أمر البلد وإلا سلّمناه. فقال: اصبروا عليّ ثلاثة أيام، فإنّ البرجي والي أنطاكية قد سار إلى نصرتي في سبع صلبان. فبلغ ذلك بنجوتيكن فاستخلف بعض أصحابه وهم: بشارة القلعي، وابن أبي رمادة ومعضاد بن ظالم في عسرك معهم كبير على باب حلب.
وسار فالتقى البرجي عند جسر الحديد، وبنجوتكين في خمسة وثلاثين ألفاً والروم في سبعين ألفاً، فانهزم البرجي، وأخذ بنجوتكين سواده وقتل من أهله وأصحابه مقتلة عظيمة، وأسر خلقاً كثيراً.
فانحاز ابن أخت البرجيّ إلى حصن عمّ، فسار بنجوتكين إلى عمّ فقالت حصنها، وفتحه بالسيف، وأسر منها ابن أخت البرجي، ووالي الحصن وثلاثمائة بطريق، وحصل عنده ألفا فارس، وغنم من عمّ مالاً كثيراً، وأحرقها وما حولها، ووجد ف عمّ عشرة آلاف أسير من المسلمين فخرجوا وقاتلوا بين يديه.
وسار إلى أنطاكية فاستاق من بلدها عشرة آلاف جاموس ومن البقر والمواشي عدداً لا يحصى، وسار من ظاهر أنطاكية في بلاد الروم حتى بلغ مرعش، فقتل، وأسر، وغنم، وخرّب، وأحرق.
وعاد إلى عسكره إلى باب حلب المعروف بباب اليهود، وقاتلها من جميع نواحيها، وكان هذا في جمادى الأولى وجمادى الآخرة، فأقام على حلب إلى انقضاء سنة 382، وعاد إلى دمشق.
ثم إنّه عاد وخرج من دمشق في سنة 383 ومدبر الجيش أبو سهيل منشأ بن إبراهيم القزّاز، فنزلوا شيزر وقاتلوها وفتحوها، وأمنوا سوسن الغلام الحمداني وكان والياً بها وجميع من كان معه.
وسار بنجوتكين إلى أفامية، فتسلمها من نائب سعيد الدولة، ثم سار أمير الجيوش بمن انتخبه من العسكر إلى أنطاكية، فغنموا بقراً وغنماً. ورماكاً وجواميس، وبلغوا نواحي بوقا، وقطعوا بغراس، وعاد العسكر إلى الرّوج ثم إلى أفامية.