وسار إلى دمشق، وسيّر العزيز أبا الحسن علي بن الحسين بن المغربي الكاتب، الذي كان وزيراً لسعد الدولة أبي المعالي مرة وفارقه عن وحشة وهو والد الوزير أبي القاسم بن المغربي في محرم من سنة 384، من مصر إلى بنجوتكين ليجعله مدبر جيشه والناظر في أعمال الشام إن فتحت، لخبرته، وسار معه عسكرٌ كثيرٌ فوصل إلى دمشق.
وسار منها بنجوتكين وابن المغربي في ثلاثين ألف مقاتل، فوصلوا ظاهر حلب في شهر ربيع الآخر. وضيق عليها بالحصار، فاستنجد سعيد الدولة ولؤلؤ بالروم، وخرج البطريق البرجي والي أنطاكية بعسكر الروم، فنزل بالأرواج على المخاض، وبث سراياه، وربت قوماً يغيرون على أعمال حلب.
وسار بنجوتكين فنزل مقابلهم، وسار عسكر حلب وفيهم الأمير رباح الحمداني وكبار الحمدانية، فنزلوا مع الرّوم على مخاضة أخرى، فقطع المغاربة بالماء وعبروا إليهم، وأنفذ بنجوتكين العرب مع قطعة من عسكره للقاء الحلبيين، فحين أشرفواً عليه انهزموا عن المخاضة، ونهبتهم العرب.
فحين شاهد الروم ذلك انهزموا، وتخلّوا عن البرجي، واضطروا إلى الهزيمة؛ وتبعهم المغاربة مع بنجوتكين في يوم الجمعة لست خلت من شعبان سنة 384، فظفر بهم، وغنم الأموال والرجال والخيل التي لا تحصى، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأسر خلقاً كثيراً من الروم وسار فنزل على عزار، فأخذها.
ثم عاد إلى حصار حلب فبنى مدينة بإزارها وشتى بها، وآثار العمارة التي تظهر حول نهر قويق هي آثار تلك العمائر، ولم يزل على حلب، إلى أن انقضت سنة 384، وكان حصارهم حلب أحد عشر شهراً، وأكلوا الخيل والحمير.
وأنفذ أبو الفضل سعيد الدولة ولؤلؤ أبا علي بن إدريس إلى باسيل ملك الروم بالقسطنطينية، يستنجدانه، وكانت له على حلب قطيعة تحمل إليه، وقالا له: ما نريد منك قتالاً إنما نريد أن تجفله.
فخرج باسيل في ثلاثة عشر ألفاً، وعسكر بنجوتكين لا خبر معهم لباسيل، فسيّر جواسيس وقال لهم: امضوا إلى العسكر وأعلموهم بي. وكانت دواب أمير الجيوش بمرج أفامية في الربيع، فلما أخبر الجواسيس عسكر أمير الجيوش بوصول باسيل إلى العمق، ضرب جميع آلته بالنار، ورحل إلى قنسرين فصارت هزيمة.
وجاء باسيل ملك الروم، فنزل موضعهم، فلم يمله، وكان قد خرج أبو الفضائل إلى ملك الروم، وشكره على ما فعل من رحيل بنجوتكين، ومعه هدية جليلة القدر فقبلها منه، ثم أعادها إلى حلب، ووهب له القطيعة التي كانت له على حلب في تلك السنة، فقال قسطنطين لأخيه الملك باسيل: خذ حلب والشام، فما يمتنع منك. فقال: ما تسمع الملوك أني خرجت أعين قوماً، فغدرت بهم. فقال له بعض أصحابه: ليست حلب غالية بغدرة. فقال الملك: ولو أنها الدنيا.
وكان إذا خرج أبو الفضائل إلى ملك الروم أقام لؤلؤ بحلب، وإذا خرج لؤلؤ أقام أبو الفضائل. فتوجع لؤلؤ فركب إليه أبو الفضائل يعوده، فحجبه ساعة فشق عليه، وانصرف مغضباً، فلحقه لؤلؤ وقال هل: ما كنت عليلاً، وإنما أردت أن أعلمك أنك متى ما مضيت إلى غير هذا البلد إنك تحجب عليّ أبواب الناس، وقد شق عليك أني حجبتك وأنا عبدك، والبلد بلدك. فرجع إلى قول لؤلؤ.
وعصى رباح السيفي بالمعرة على مولاه أبي الفضائل فخرج إليه مع لؤلؤ في سنة 386، وانحاز إلى المغاربة، فخرج أبو الفضائل ولؤلؤ وحصراه مدة، فورد بنجوتكين لنجدته فانهزما ودخلا حلب.
وخرج باسيل إلى أفامية بعد وقعة جرت للروم مع المغاربة، فجمع عظام لقتلى من الروم وصلى عليهم، دفنهم، وسار إلى شيزر ففتحها، بالأمان من لمغاربة، وذلك في سنة 389.
وسار ملك الروم إلى وادي حيران، فسبى منه خلقاً عظيماً من المسلمين، وخرج إليه أبو الفضائل من حلب إلى شيزر فأكرمه وقال له: قد وهبت لك حلب، ووهبت لأبي الفضائل في جملة ما وهبت سطل ذهب. وقال له: اشرب بهذا.
ومات أبو الفضائل سعيد الدولة ليلة السبت النصف من صفر سنة 392، سقته جاريةٌ سماً، فمات. وقيل: إن لؤلؤ دسّ عليه ذلك وعلى ابنته زوجة أبي الفضائل فماتا جميعاً.
وكان قاضي حلب في أيامه عبيد الله بن محمد بن أحمد القاضي أبا محمد.
وملّك لؤلؤ السيفي ولديه أبا الحسن علياً وأبا المعالي شريفاً ابني سعيد الدولة، واستولى لؤلؤ على تدبير ملكهما وليس إليهما شيء.
وخاف لؤلؤ على حصن كفر روما، وحصن عار، وحصن أروح، أن يقصد فيها، فهدمها جميعاً سنة 393.