يقتلهم واحدا واحدا، وهم دهشون، ودخلت امرأة من التتر دارا وقتلت جماعة من أهلها، وهم يظنونها رجلا، ودخل واحد منهم دربا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدا واحدا حتى أفناهم، ولم يمد أحد يده اليه بسوء، ووضعت الذلة على الناس، فلا يدفعون عن نفوسهم قليلا ولا كثيرا، نعوذ بالله من الخذلان، وحكي أن أحدهم أخذ رجلا لم يجد ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على هذا الحجر ولا تبرح! فوضع رأسه، وبقي الى أن أتى التتري بسيف وقتله، قال ابن الاثير وأمثال ذلك كثيرة.
واليك ما قال ابن الأثير قبل أن يسرد وقائع هذه النازلة:
"لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة، استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم اليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الاسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فياليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ... هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى، التي عقمت الايام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: ان أهل العالم منذ خلق الله تعالى آدم الى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فان التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها .. ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة الى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا الخ ... ".
ولكن مثل هذه الحادثة لم تستطع أن تنبه المسلمين، ولم يفيقوا