الشرعية في بلادهم، وهانوا على الناس رغم مملكتهم الواسعة وجيوشهم الكثيفة، وخزائنهم العامرة، ورغم تقدمهم في الحضارة ومظاهرها الكثيرة، فقل إكرام الناس لهم وهيبتهم اياهم، وتجاسروا عليهم، قال: "رتبيل" ملك رُخج وسجستان، لرسل يزيد بن عبد الملك وقد جاؤوا اليه يطالبونه بالخراج: "ما فعل قوم كانوا يأتونا: خِماص البطون، سود الوجوه من الصلاة، نعالهم خوص؟ " قالوا: انقرضوا، قال: "أولئك أوفى منكم عهدا وأشد بأسا، وان كنتم أحسن منهم وجوها"، ثم لم يعط أحدا من عمال بني أمية، ولا عمال أبي مسلم على سجستان من تلك الاتاوة شيئا (?).
فاذا كان هذا في القرن الثاني فما ظنك بقرون بعده حتى اذا بلغ السيل الزبى، وتضاعف كل ما ذكرنا، وأفسد المسلمون في الأرض بعد اصلاحها، وآسفوا الله بعث عليهم عبادا له أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، سلط عليهم المغول والتتار - أشقى الأمم وأخملها وأجهلها وأوحشها - فوضعوا فيهم السيف، وأجروا من دمائهم سيولا وأنهارا، وأقاموا من رؤوسهم صروحا وتلالا، وفعلوا بهم الافاعيل، وأحلوهم الخوف، فتمكن من قلوبهم الوهن والجبن، حتى أصبحوا لا يصدقون بهزيمة التتر، قال ابن الأثير: سمع عن بعض أكابرهم أنه قال: "من حدثك أن التتر انهزموا فلا تصدقه" قال: ووقع رعبهم في قلوب الناس، حتى كان أحدهم اذا لقي جماعة