التوحيد الذي لا يشوبه شرك، وحب الانسانية العامة واحترامها، ووسع أفق خياله فصار يرى للحياة معنى غير معنى، وللانسانية مستوى أرفع من مستواها القديم، وعالما أفسح من وكره الذي يعيش فيه، إنه وضع عن كل أمة اصرها، والاغلال التي كانت عليها، وأنقذها من العنصرية والجنسية والوطنية، وعبادة المال والبيوتات، والأشجار والأحجار، والحيوانات والأنهار، والأرواح والأجرام السماوية، ومن الرهبنة الفاتكة بالمدينة، والعزبة القاطعة للنسل، وهو الذي طلسم الأوهام التي مضى عليها قرون، ودرج عليها أجيال، أطلق العقل من أساره، ورفع الحجر عن العلم، ونسخ احتكار البيوتات للدين، ورسم في الذهن منزلة العمل الفردي، والسعي الشخصي، واستقلال كل انسان بعمله ومسئوليته، ومن الذي يستطيع أن ينكر أن الفضل في تقدم العالم، وقطع مراحل المدنية والعلم، إنما يعود الى الإسلام. ومن الذي يجهل اليوم أن الفضل في تقدم أوربا وتخلصها من رق الأحبار والرهبان، وسلاسل الكنيسة والحكم المطلق، وفي العكوف على العلوم الطبيعية والتجريبية، والخروج من الهمجية الى الحضارة، إنما يعود الى الأندلس الاسلامية التي ظلت قرونا طوالا مشعل الثقافة، ومنبع العلم، ومدرسة الفن والتهذيب في العصور المظلمة! إن كلمات العدل والمساواة، والانسانية منتشرة ذائعة اليوم في كل ناحية من نواحي الهند، وبارزة على كل صفحة من صفحات أدبائها وكتابها، وخفيفة على لسان كل خطيب ومتكلم، ومن ذا يكابر في أن الاسلام هو الذي عرّف هذه الكلمات الى أهل هذه البلاد، وسعى في رواجها وذيوعها في بلاد لم تكن تعرف هذه الكلمات ومعانيها.
إن المسلمين ليسوا نسلا أو شعبا فحسب، وليس الاسلام عادات وتقاليد وتراثا يتوارثه ولد عن أبيه، انه دعوة ورسالة، وحياة وعقيدة، تقتضي بالطبع، أن يكون نظر المسلم أوسع من الماديات المحسوسات، ومن عالم النفوس والبطون، ووطنه أوسع من المنطقة