تكون من أهل البلاد، فقصد موضع القيروان، وكانت وحلة مشتبكة، بها من أنواع الحيوان من السباع والحيات وغير ذلك، فدعا الله وكان مستجاب الدعوة ثم نادى: أيتها الحيات والسباع، إنّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارحلوا عنا، فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه، فنظر الناس ذلك اليوم الى الدواب تحمل أولادها، وتنتقل فرآه قبيل كثير من البربر فأسلموا (?).
خرج محمد بن القاسم - وهو ابن سبع عشرة سنة - لغزو الهند، ومعه حفنة من الناس، والبحار حائلة، وبلاد العدو واسعة الأطراف وعرة المسالك لم يجربها العرب، فهزئ بالمعوقين والمرهبين، وغلب الإيمان القوة وغلب الروح المادة، وإذا بالهند - من السند الى الملتان - خاضعة للمسلمين.
إن العالم كله مدينة الأوهام، والمؤمن وحده هو صاحب يقين لا يزول، وعقيدة لا تتحول، وهو في يقينه في عالم الأوهام، كمصباح الراهب في الغابة المظلمة، ومنارة النور في بحر الظلمات، والجزيرة التي يأوي إليها اليائسون، والطود الذي لا تزحزحه السيول، ولا تزلزله العواصف وقد يتمسك بيقينه، ولا يوافقه على ذلك أحد، ولا يصدقه أحد، فلا تخور عزيمته، ولا تلين عريكته، ولا يرتاب ولا يتلدد، والناس بين معارض ومنتقد، ومطيع كاره، أو مخالف معتزل،