قهرت دعوتهم ورسالتهم وحياتهم الأمم الرومية والفارسية، التي كانت كدمى كُسيت حللا فاخرة، وأعوادا أسندت الى الجدار، لحرمانها من رسالة، وقعودها عن دعوة، وكان الانتصار في الآخر للرسالة على النظام، وللروح على المادة، وللمعنى على الظاهر.
ومرة ثانية: لما قهر التتر - ذلك الجراد المنتشر - العالم الاسلامي من أقصاه الى أقصاه، وخضدوا شوكة المسلمين، فلم تقم لهم قائمة، ولم يقف في وجههم واقف، وكاد المسلمون يصبحون أثرا بعد عين، واستولى اليأس على قلوبهم حتى كان من الأمثال السائرة: "إذا قيل لك أن التتر انهزموا، فلا تصدق" هنالك فعلت الدعوة الإسلامية فعلها، ونفذت فيهم. فإذا القاهر يصبح مقهورا، وإذا الفاتح مفتوح لدين المفتوحين، وإذا التتر يتلفظون بكلمة الإسلام، ويدينون برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، ويصبحون أمة إسلامية.
وإن الرسالة الإسلامية لتأتي بالمعجزات اليوم، وتقهر الأمم طوعا - لا كرها - بسلطانها الروحي ونفوذها العجيب.
إن آباءكم - أيها السادة المسلمون - قد انتشروا في عواصم الجاهلية الأولى، ومراكزها الكبرى، يقولون: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الأديان الى عدل الإسلام" وخلصوا الأمة الرومية من عبادة المسيح والصليب والأحبار والرهبان والملوك، وخلصوا الأمة الفارسية من عبادة النار وعبودية البيت الكياني، والأمة الطورانية من عبادة الذئب الأبيض، والأمة الهندية من عبادة البقر، وأخرجوها الى عبادة الله وحده، وأخرجوها فعلا من ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الأديان الى عدل الإسلام، والعالم ينتظر منذ زمان، رسل المسلمين ينتشرون في عواصم الجاهلية الثانية، يهتفون: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة المادة والبطن، الى عبادة الله وحده، ومن ضيق عالم التنافس والأثرة والجشع المادي الى سعة عالم القناعة والإيثار والزهد، ونعيم