كورقة انفصلت من شجرتها، فلا يمكن أن تحيا بسقي أو ري: {فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} [الرعد: 17].

إننا - أيها الفقراء - أمة الحاضر وأمة المستقبل، قد كتب لنا الخلود والنصر، لأننا أصحاب دعوة ورسالة نبوية، وهي الرسالة الأبدية التي قضى الله بخلودها وظهورها. فلسنا تحت سيطرة المادة وحكم الزمان، بشرط أن نقوم بدعوتنا، ولنستقبل برسالتنا، ونعود أمة دعوة نبوية كما بدأنا، دعوة في ما بيننا معشر المسلمين، ودعوة في غيرنا من الأجانب في الدين.

لقد تخلفنا عن الأمم المعاصرة في العلوم الطبيعية، والأسباب الحربية، وفي الأخذ بأسباب الرقي المادي بعدة قرون، وقد كانت المسابقة بيننا وبينهم كمسابقة الأرنب والسلحفاة، إلا أن الأرنب كان ساهرا مع خفته وسرعته، والسلحفاة نائمة رغم بطئها وثقلها، فلو حاربنا هذه الأمم اليوم لاستغرق ذلك قرونا، ثم كانت المقارنة بحساب دقيق، فإذا أفاق العدو وسبقنا بشعرة في القوة المادية والعدد الحربية رجحت كفته، لأن المادة عمياء وهي من القساوة والحياد التام بمكان لا تفرق فيه بين المحق والمبطل والشريف والوضيع.

ولكن الدعوة والرسالة - وهي الروح التي تقهر المادة وتسخِّر الأسباب وتستنزل النصر - تأتي بخوارق ومعجزات، وطالما قهرت القاهر وفتحت الغالب، وطالما خضعت الحكومات القاهرة، ودانت الملوك الجبابرة بقوة الدعوة والرسالة للمماليك والصعاليك، وقد جربت ذلك هذه الأمة مرتين بوضوح في التاريخ:

مرة: لما خرج العرب من جزيرتهم الى البلاد الرومية والفارسية في ثياب صفيقة مرقعة، وفي نعال وضيعة مخصوفة، يحملون سيوفا بالية الأجفان، رثة المحامل، على خيل قصيرة، متقطعة الغرز، وسرعان ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015