وهنالك نزعات جاهلية ومبادئ جاهلية حاربها الاسلام بكل وضوح، وحاربها الرسول بكل قوة، كالعصبية الجاهلية التي تقوم على وحدة الدم أوالوطن، أو الجنس، وتُمجَّد هذه العصبية ويبالغ في تقديسها والدفاع عنها والقتال تحت رايتها وتوزيع المجتمع الانساني على أساسها حتى تصبح ديانة وعقيدة، وتسيطر على العقول والنفوس والارواح والآداب، ولا شك أنها في عمقها ورسوخها وقوتها وشمولها تنافس الأديان وتستعبد الانسان، وتحبط مساعي الأنبياء وتحدد الدين - الذي جاء ليحكم على الحياة - في العبادات والطقوس، وتقسم العالم الانساني الى معسكرات متحاربة والأمة التي قال الله عنها: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} في أمم كثيرة.
لقد حارب الرسول هذه العصبية الجاهلية بكل قوة ومن غير هوادة وأنذر منها وسد منافذها، فلا بقاء للدين العالمي ولا بقاء للامة الواحدة مع هذه العصبيات، ومصادر الشريعة الاسلامية زاخرة بانكارها وتشنيعها، والنصوص في ذلك أكثر من أن تستقصى، وهذا الذ ي يعرف بداهة من الاسلام، والذي عرف طبيعة الاسلام بل عرف طبيعة الأديان عرف أنها لا تسيغ هذه العصبيات، ومن درس التاريخ متجردا عن الميول والمذاهب السياسية