فوقهم ولا ينظرون أبدا الى من دونهم، فهم في هم متواصل، وأحزان متسلسلة، وشقاء مستمر، وتذمر جار، وشكوى قائمة، وأنين باق، يجرون في رهان لا تنتهي، ويسابقون جيادا لا تكل ولا تسبق، ولا يزال قصب السبق بعيدا، كلما انتهوا الى غاية راوا غاية أخرى، فجروا وراءها وهي تبتعد عنهم، كما يبتعد الأفق من الطفل الذي يحاول مسكه، وشعاع الشمس الذي يجتهد لقبضه، وهكذا يتفلت منهم "المثل الأعلى" في الغناء والثروة، والرخاء والجاه، فيموت الواحد منهم كثيبا منكسرا، ولم يتسعد ليوم الجد ولم يأخذ لنفسه عدتها ويأتيه الموت فيقول: {رب لولا أخرتني الى أجل قريب، فأصدّق وأكن من الصالحين} [المنافقون: 10].
وأما العظماء - من الملوك وأبناء الملوك والأمراء - فإنهم يريدون أن يتلهموا الدنيا طولا وعرضا، وينتهبوا المسرات جريا وركضا، لا يشفى عليلهم ولا يروى غليلهم، وهم من دقائق الراحة الى دقائق، من بدائع الى بدائع، ومن ابتكار الى ابتكار، ومن لذيذ في الطعام والشراب الى ألذ، ومن حديث من مستحدثات المراكب والقصور والأزياء الى أحدث، لا تكفيهم في ذلك موارد