فماذا كان المنتظر من المسلمين - وهم حاملوا رسالة الإسلام -؟ كان المنتظر منهم أن يروا في أوربا وأمريكا زعيما للجاهلية، الذي تولى كبرها وحمل رايتها في الآفاق. وكان الواجب أن تكون هذه المسألة هي أمّ المسائل وكبراها في نظرهم، وأن تشغل ذهنهم وتستغرق سعيهم، وكان الواجب أن يعدوا أنفسهم في كل ناحية من نواحي العالم ممثلين لدعوة الإسلام ضد هذه الدعوة الجاهلية، وأن لا يتخذوا موقفا مهما كان اقتضاء المصالح الوطنية والسياسية والمالية، لا يتفق وممثلي الإسلام وحاملي رسالته، وأن لا يأتوا بشيء تتغذى به الحركة الجاهلية في العالم، وأن لا يظهر منهم شيء ينم عن ركونهم الى هذا النظام الجاهلي الذي بسطته هذه الأمم في العالم، وتريد أن تبسطه ويظهر به تعاونهم على الإثم والعدوان، الذي لا عدوان أكبر منه.

ولكن مما يبعث الأسف العميق والعجب الشديد في النفوس "عجبا يميت القلب ويشغل الفهم، ويكثر الأحزان" كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خطبة له، إن المسلمين عامتهم لم يدركوا هذه الحقيقة مع وضوحها وانجلائها، وذهلوا عن موقفهم الصحيح في العالم، ونسوا وجهلوا أنهم والأمم الأوربية الجاهلية دعاة لنظامين للحياة متضادين، لحضارتين متناقضتين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015