أما الأمراء والملوك المسلمون فقد تركوا الجهاد في سبيل الله منذ قرون، واشتغلوا عنه بحروب بغضاء ومنافسة، وشهوات ومطامع، حتى دهم الاسلام الزحف الصليبي فلم يقم له الا صلاح الدين الايوبي وبعض الافراد المتصلين به. ومرت كارثة الأندلس وكأن لم يكن شيء، وزحف التتار والمغول - ذلك الجراد المنتشر - فنهكوا قوى المسلمين، وزادوهم وهناً على وهن.
هذه هي العوامل التي ساعدت الأوربيين في فتحهم وانتصرت بهم الجاهلية على الاسلام، فكان أكبر انتصار نالته الجاهلية على الاسلام منذ زمن طويل، ولو تكلمت لقالت: الويم انتصفت من عدوي، وأخذت ثار الأمم التي فتحها والدول التي محاها، والحضارات التي طمسها ومن اليوم أزدهر في بلاده وأخصب في نجاده ووهاده، وأجري مجراي لا يسد تياري شيء.
لو قالت لصدقت، لأن المسلمين - على علاتهم - كانوا أمناء لرسالة الأنبياء، حملة لمصابيح شرائعهم، وحرزا للدين في الدنيا ودرءا للأخلاق والفضيلة على كل حال، وكانوا أعظم سد في وجه الجاهلية، ويتحولون أكبر خطر عليها في كل وقت.
كانت رزيئة المسلمين في هذه الهزيمة عظيمة وخطبهم فادحا جدا، فقد خسروا بلادهم التي كانت تفيض لبنا وعسلا، وخسروا جميع