هذا التحول من أتعس الحوادث التي وقعت في التاريخ والذي قد جر على الانسانية شقاء طويلا وويلا عظيما، ولكنه كان واقعا لا محالة لاسباب طبعية عقلية.
وتقدمت أمم أوربا الفتية المتحمسة لغزو العالم وفتحه، وقد أخذت له أهبته وأعدت له عدته فكان بحكم الطبيعة أن تصادم ممثلي الدعوة الثانية المضادة لها، وهم المستولون على أجمل رقع العالم المتمدن المعمور، وعلى أهم بقاع الأرض سياسيا وجغرافيا، وأخصبها وأثراها اقتصاديا، وكان بديهيا أن يقع أول صراع وأكبره بين هاتين الفئتين، فكان ذلك!
كان ذلك والمسلمون منذ أمد بعيد، قد فقدوا روح الرسالة التي كانوا يحملونها، والتي قد أصبحوا بقوتها سيلا جارفا جبارا لا تقاومه الحشائش، ولا تقف في وجهه الصخور، وقوة المسلمين وروحهم دائما من الرسالة والدعوة، فأضحوا لا يحملون رسالة الاسلام الى العالم، ولا يدعون دعوة دينية تنفخ فيهم الحماسة والفتوة، ويأتون لها بخوارق ومعجزات، وتفتح لهم هذه الرسالة قلوبا وعقولا، وتسخر لهم ممالك ودولا، وأصبحوا جيلا من الناس كسائر الأجيال، يرى ما يحدث في العالم من خير وشر وما يسود فيه من حق وباطل، هادئا مطمئنا، كمتفرج أو كعاجز ليس له من الأمر شيء.