رقعة صغيرة كان على الاسلام اقبال عظيم لم يعهد من قرون.
وليس العالم الانساني بأقل افتقارا من العالم الاسلامي لمثل هذه الحكومة التي شعارها الهداية والاصلاح، لا الجباية والكفاح، فان الانسانية العليلة جريحة لا يسعفها اليوم الا قيام هذه الحكومات التي تؤسس على أساس الفضيلة والدين، واحترام الانسانية، وايثار الأرواح على الأرباح، والأخلاق على الاعلاق، وكسب الرجال على كسب الاموال، فإذا تأسست هذه الحكومة - مهما كانت صغيرة ومهما كانت مواردها ضعيفة - كان ذلك حادثا غريبا يستحق كل تنويه واشادة، وقام كبار السياسيين وأصحاب اليراع، وقادة الفكر يشيرون اليها بالبنان ويضربون بها الامثال، ويؤلفون عنها مؤلفات، وأصبح الناس يأوون اليها كما يأوي الغرقى الى جزيرة في البحر، لينعموا في ظل حكومتها، وينفضوا عنهم غبار الظلم والفتن، ويتنفسوا من متاعب المدنية المعقدة المزورة، والحكومات الجابية الجائرة، ولكانت هذه الحكومة غُرة في جبين الدهر، وشامة بين الحكومات والدول.
أن الانسانية قد جربت حكومات الجباية على اختلاف أنواعها وأسمائها - من شخصية وديمقراطية، ورأسمالية واشتراكية وشيوعية - فوجدتها بنات علات، لا تختلف في أصلها ومبدئها، وروحها ونزعتها، وقلبتها على كل جانب فلم تر منها الا شرا ومرا، ولم تر اختلاف الاسماء يغني عن شيء، واذا تأسست جديدة باسم جديد، نادى لسان الحقيقة في لفظ أبي العلاء المعري:
ألا إنما الأيام أبناء واحد ... وهذي الليالي كلها أخوات
فلا تطلبن من عند يوم وليلة ... خلاف الذي مرت به السنوات