دمشق ولا بغداد، ولا كان لبني مروان أن يجبوا خراج الروم وفارس، ولا كان للرشيد أن يقول لسحابة مرت به: "أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك".
أسس ملوك المسلمين بعد الخلافة الراشدة دولهم على مبدأ الجباية السياسية، وأهملوا الدعوة الى الله والى دار السلام، وعطلوا الحدود وأبطلوا الحسبة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، ولم تعد مراكز الاسلام مدرسة الدين ومرآة لمدنيته واجتماعه، بل أصبحت تغرس الشك والنفاق في قلوب الوافدين وتزعزع عقيدتهم وثقتهم بالدين وأهله، وأصبح القاصدون من مختلف أنحاء العالم الاسلامي يكتسبون منها استخفافا بشعائر الاسلام، ورقة في الدين، ووهنا في العمل، وسوء ظن بممثلي الاسلام، ورجعوا يحتجون بالاوضاع الفاسدة في مراكز الاسلام، وبالفوضى الدينية، فكانت داهية عظيمة على رجال الاصلاح والدعوة في الاقطار الاسلامية، وفتنة كبيرة.
ليس العالم الاسلامي اليوم بأشد افتقارا الى شيء، منه الى حكومة تمثله تمثيلا صحيحا، وتقوم على أساس الدعوة والهداية، والنصيحة والخدمة، فإن الإسلام لا يؤثر في عقول الناس، ولا يشفي المتفحصين حتى تكون له رقعة في الأرض، تتمثل فيها حياته وتتجلى فيها مدنيته واجتماعه، وتظهر فيها نتائج دعوته وتعاليمه، فإذا كان ذلك ولو في