أنه جيء للفاروق عمر رضي الله عنه برجل بدوي قد هجا الأنصار وكانت له صحبة فقال لهم: "لولا أن له صحبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أدري ما نال فيها لكفيتموه، ولكن له صحبة منه", فها هو عمر على صرامته في الحق قد توقف عن معاتبته, فضلا عن معاقبته لكونه علم أنه حظي بشرف الصحبة1.
قال الخطيب البغدادي في "كفايته" بعد أن ذكر الكثير من الآيات والأحاديث: على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحالة التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم، والاعتقاد لنزاهتهم, وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم ... ثم روي بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: "إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق, وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة, وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة". وما أحكمها من كلمة ألقى بها الله سبحانه على لسان الإمام أبي زرعة رحمه الله وأثابه.
وكذلك عرف للصحابة فضلهم كبار أئمة الفقه والأصول والرواية روى الحافظ البيهقي عن الإمام الشافعي -وهو هو دينا وعقلا وعلما وألمعية- أنه ذكر الصحابة في رسالته القديمة وأثنى عليهم بما هم أهله ثم قال: "وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا"2.