ولقد صور كثير من علماء المذهب الموقف الفكري للمخالفين لهم، وأنه لا سند له من علم ديني ولا برهان عقلي، وأن المنهج الذي سلكوه في الغيبيات منهج أخرق، فساده أكثر من صلاحه. فقال: فهو راكض ليله ونهاره في الرد على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والطعن عليهما، أو مخاصما بالتأويلات البعيدة فيهما, أو مسلطا رأيه على ما لا يوافق مذهبه بالشبهات المخترعة الركيكة حتى يتفق الكتاب والسنة على مذهبه, وهيهات أن يتفق ... فهذه حاله إذا نشط للمحاورة في الكتاب والسنة.
فأما إذا رجع إلى أصله وما بنى بدعته عليه اعترض عليها بالجحود والإنكار، وضرب بعضها ببعض من غير استبصار واستقبل أصلهما ببهت الجدل والنظر من غير افتكار ... فما اغبرت أقدامهم في طلب سنة، أو عرفوا من شرائع الإسلام مسألة، فيعد رأي أصحابه حكمة وعلما وحججا وبراهين، ويعد كتاب الله وسنة رسوله حشوا وتقليدا، ويعد حملتها جهالا وبلهاء يرمون أهل الحق بالألقاب القبيحة ... ومقالتهم هذه لا تظهر إلا بسلطان قاهر أو بشيطان معاند فاجر يصل الناس خفيا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسطوته، أو يستميل قلبه بماله ليضله عن سبيل الله حمية لبدعته وذبا عن ضلالته ... لقد زعموا أنهم أكبر من السابقين في المحصول وفي حقائق المعقول وأهدى إلى التحقيق، وأحسن نظرا منهم في التدقيق، وأن المتقدمين تفادوا من النظر لعجزهم، ورغبوا عن مكالمتهم لقلة